معارك "شراء الأصوات" تستبق الانتخابات البرلمانية الكويتية

25 نوفمبر 2016
ظاهرة شراء الأصوات ليست جديدة لكنها تتوسع (جابر عبدالخالق/الأناضول)
+ الخط -


مع اقتراب يوم انتخابات مجلس الأمة في الكويت، المقررة في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، وبينما ينشغل العشرات من المرشحين في عرض خططهم ومشاريعهم على الناخبين سعياً لحسم الصراع الانتخابي على كرسي البرلمان لصالحهم، ينشغل عدد آخر ليس بقليل من المرشحين في منافسة شراء الأصوات، العملية التي يجرّمها ويعاقب عليها القانون في الكويت.
ولا تُعدّ ظاهرة شراء الأصوات، بحسب مراقبين، جديدة على الانتخابات البرلمانية، إذ إنها كانت ملازمة لأي حدث انتخابي في الكويت منذ تأسيسها، خصوصاً أن أغلب المشترين هم من التجار أو المحسوبين على أطراف نافذة في الحكومة، ولا يستطيع أحد المساس بهم. وبحسب المراقبين، فإن هناك طريقتين للشراء، إحداهما مضمونة والأخرى غير مضمونة لكنها تؤتي نتائجها في النهاية.
يقوم المرشح بحسب الطريقة الأولى، بالتوجه إلى القاعدة الانتخابية لأقرب منافسيه، ويدفع مبالغ طائلة لها مقابل حجز "ورقة الجنسية الكويتية" التي لا يستطيع المواطن وفق القانون الكويتي التصويت من دونها. ويستهدف هذا الإجراء خفض عدد الأصوات الذاهبة للمرشح المنافس له، ما يعزز حظوظه للفوز ولو بأصوات أقل.
أما الطريقة الثانية، فهي الطريقة التقليدية ويتم عبرها دفع نصف المبلغ المقرر من المال للشخص مقابل قسمه أن يصوت للمرشح دون غيره، مع أخذ تعهّد شفهي منه أيضاً، ثم يُدفع المبلغ المتبقي له بعد التصويت. هذه الطريقة غير مضمونة بسبب إمكانية أن يبيع الشخص صوته لأكثر من مرشح، لكن عدداً من المرشحين قاموا باستيراد أقلام ذات كاميرا ليستخدمها الناخبون الذين تم شراء أصواتهم يوم التصويت للتأكد من تصويتهم للمرشح نفسه، ولم تعلّق إدارة الانتخابات على السماح لهذه الأقلام بالدخول إلى اللجان بعد.
وكانت الشرطة قد ألقت القبض على مرشح في الدائرة الرابعة، وهو وريث لإحدى أكبر سلاسل العقارات في البلاد، بعد أن داهمت مكتب محاماة يعود لأحد أقربائه ويُستخدم في شراء الأصوات لصالحه، لكن النيابة أفرجت عن جميع المتهمين بكفالة مالية بعد أن عُرضوا عليها لمدة ثلاثة أيام، وقال المرشح نفسه بعد الإفراج عنه إنه تعرض لمؤامرة "من قبل أطراف متنفذة لا تريد الخير له وللوطن".
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال المتابع للشأن الانتخابي، ناصر الملا، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الانتخابات تُعدّ أكثر انتخابات تُشترى فيها الأصوات منذ عشر سنوات تقريباً، بسبب مرسوم الصوت الواحد الذي أثبت يوماً بعد يوم فشله في محاربة ظواهر الانتخابات السلبية، بل على العكس زاد منها".
ورأى الملا أن شراء الأصوات زاد، بسبب فاعلية هذا الأمر اليوم، على عكس الانتخابات السابقة، موضحاً أنه "في السابق كان أقل عدد من الأصوات التي تؤهل الشخص للفوز في الانتخابات هي 9 آلاف صوت في الدائرة الرابعة مثلاً، ولا يمكن لشخص أن يتحمل كلفة شراء هذا العدد من الأصوات، فضلاً عن أنه لا يوجد عدد بمثل هذا الحجم من الممكن أن يتخلوا عن مبادئهم ويبيعوا أصواتهم، لكن رقم الفوز اليوم هو 3 آلاف صوت، وهذا ما جعل المرشحين الفاسدين، وخصوصاً الأثرياء منهم، يتسابقون لشراء الأصوات".
وتراوح أسعار الأصوات، بحسب الدائرة التي تجري فيها الانتخابات، ومستوى المنافسة. وشرح الملا في هذا السياق: "يقال إن سعر الصوت حالياً في بعض الدوائر بلغ أكثر من 1000 دينار كويتي للفرد الواحد (ما يفوق 3 آلاف دولار)، وفي بعض الدوائر شديدة التنافس، مثل الدائرة الرابعة، يقول البعض إنه سيصل إلى 6 آلاف دولار ليلة الانتخابات"، مضيفاً: "هناك عدد كبير من المرشحين يبحثون عن أشخاص ليشتروا منهم الأصوات ولكنهم لا يجدون بسبب التنافس الشديد في الأسعار، إذ إن بعض أرباب العوائل بدأ يساوم على الأصوات التي يمتلكها بمبالغ ضخمة، بما يشبه سمسرة العبيد سابقاً، وهذا ما أوصلنا إليه مرسوم الصوت الواحد".


ووجّه مرشحون انتقادات لاذعة إلى جهاز الأمن الكويتي وإلى لجنة الانتخابات التي يقول سياسيون إنها تغض الطرف عن مهرجانات شراء الأصوات التي تحصل أمام أعينها في المجالس و"الدواوين" وأماكن تجمّع المواطنين الكويتيين العادية.
وقال مبارك الدويلة، الأمين السابق للحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، الجناح السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين" في الكويت، إن "‏ظاهرة شراء الأصوات في الانتخابات البرلمانية أصبحت سمة لكل استحقاق انتخابي في الكويت، مع الأسف الشديد، وبينما كانت في التسعينيات مقتصرة على الدائرة الرابعة، فإنها اليوم انتشرت في جميع مناطق الكويت، ولم تعد مقتصرة على منطقة دون أخرى، ولا على قبيلة أو طائفة أو طبقة دون أخرى".
وأضاف الدويلة: "اليوم أصبح الناس يعرفون المرشح الراشي، ويعرفون في الغالب الناخب المرتشي، بل يستطيع المراقب للساحة الانتخابية أن يرصد بكل سهولة قيمة الصوت الانتخابي عند كل مرشح راشٍ، وتحديد بورصة الأصوات من حيث النوع، فالصوت الأعور له قيمة مضاعفة، والصوت المشترك له قيمته، وحجز جنسيات الخصوم كي لا يذهب أصحابها للتصويت للخصم له سعر خاص، وهكذا كل هذا مكشوف وواضح عند الناس في كل المناطق". ولفت إلى أن "الجهات المختصة تتعامل مع هذه الظاهرة بمكيالين، فإن كان المرشح من المرضي عنهم عند هذه الجهات، يتم السكوت عنه، وإن كان المرشح من المغضوب عليهم أو من الذين يضايقون على المرضي عنهم ويزاحموهم في ميدان عملهم ومناطقهم، فإنه يحاسب ويتعرض للمساءلة القانونية الشديدة ويتم إنهاء تاريخه السياسي".
وأصدرت مجموعة من علماء الكويت، وعلى رأسهم عميد كلية الشريعة الأسبق عجيل النشمي، بياناً أكدت فيه حرمة شراء الأصوات، وأن من صوت في الانتخابات لأن المرشح قدّم خدمة له بطريقة غير قانونية فإن هذا يعدّ في حكم الرشوة. وقال النشمي إن "وجود مصيبة شراء الأصوات مظهر غير حضاري، بل هو مظهر غش وصفة ضعاف النفوس"، مطالباً بحجب أصوات من يقومون ببيع اقتراعهم، وداعياً مجلس الأمة لسنّ المزيد من القوانين في هذا السياق، لأن "مجلس الأمة مسؤول أيضاً عن حماية نفسه وسمعته فيقترح ويقرر القوانين المحرمة لهذا العمل، والمواطنون معنيون عناية خاصة بمحاربة هذا الأمر ببيان خطورته وحجب الصوت عمن يتعاطى دفع المال بل التبليغ عنه ليتم التحقيق معه وإدانة من يثبت عليه شراء الصوت أو بيعه"، وفق قوله.
من جهته، قال المحامي عمر الروقي، لـ"العربي الجديد"، إن القوانين التي تحارب شراء الأصوات غير كافية وهي على ندرتها غير مطبّقة بشكل صحيح من وزارة الداخلية بسبب تداخلها في اللعبة السياسية الشائكة، لافتاً إلى أنه سبق أن ثبتت التهمة على أحد مرشحي برلمان 2006 بالصوت والصورة لكنه خرج منها بسبب تسويات سياسية خارج قاعات المحاكم.
وتداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صوراً لهواتف خليوية قيل إنه جرى توزيعها في إحدى الندوات الانتخابية، كرشوة من أجل التصويت لمرشح. ويستخدم بعض مرشحي البرلمان الحقائب النسائية الفخمة ذات الأسعار الباهظة لاستمالة الناخبات من النساء، إذ يقوم المرشحون بتخمين عدد حضور الندوة الانتخابية النسائية ثم يقومون بشراء حقائب مقاربة لهذا العدد وتوزيعها في الندوة مع إصرارهم على أنها هدية عادية وليست رشوة. وقال إيهاب معمر، وهو مدير مبيعات في محل لإحدى الماركات الفرنسية الشهيرة في أسواق الصالحية الفخمة، وسط العاصمة الكويت، لـ"العربي الجديد"، إن "مبيعاتنا من الحقائب النسائية الأصلية وصلت إلى كمية ضخمة جداً، فأنا عملت طوال سنتين في هذا المعرض لكن الكمية التي بيعت هذا الشهر توازي ما بعناه طوال سنة ونصف تماماً".

دلالات
المساهمون