كعالم رياضيات، وليس كأستاذ في العلاقات الدولية، يشرح أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا الحالي، ووزير خارجيتها سابقا، في كتابه (العمق الاستراتيجي) معادلة القوة التي من خلالها يتحدد ثقل الدولة ووزنها النسبي في العلاقات الخارجية، من خلال المعادلة التي تقول إن قوة الدولة تكمن في العلاقات الخارجية، هي حاصل جمع القوة الثابتة مع القوة المتغيرة مضروبا في 3 عوامل: الذهنية الاستراتيجية، التخطيط الاستراتيجي والإرادة السياسية.
القوة الثابتة: وهي العناصر غير القابلة للتغير على المدى القصير والمتوسط، ولا تخضع لإرادة الدولة، ولكن ليس معنى أنها ثابتة أن أهميتها غير قابلة للتغير، بل يمكن لها أن تتغير من حيث القوة والضعف بناء على تغيير الظروف المحيطة والوضع الدولي وكيفية تعامل الدولة مع هذه المعطيات. هذه المعطيات تشمل التاريخ والجغرافيا وعدد السكان والثقافة. فعلى سبيل المثال: الوضع الجغرافي للدولة غير قابل للتغير، لكن تغير الظروف المحيطة والوضع الدولي قد يعطي مكاناً أهمية أكثر من مكان آخر، آسيا الوسطى مثلا، كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، لكن بعد انهياره أصبحت جغرافيا موضع اهتمام من روسيا والصين والولايات المتحدة وتركيا. عدد السكان هو رقم ثابت، لكن تعامل الدولة الصينية مثلا مع عدد السكان الكبير لديها مختلف عن طريقة تعامل الهند، مختلف عن طريقة تعامل بعض المجتمعات العربية، فقد يكون عدد السكان كبيراً لكن نسبة الشباب فيه مرتفعة، فيكون لهذا الرقم أهمية أكبر في الثقافة والهوية الحضارية التي تربط أفراد الشعب الواحد، ومن المعطيات الثابتة، لكن قد تأخد ثقلاً أكبر أو أقل بناء على الوضع الدولي المحيط.
القوة المتغيرة: وهي العناصر التي يمكن تفعيلها في المدى القريب أو المتوسط، وتظهر مدى قدرة الدولة على الاستفادة من القدرات الكامنة فيها. وتشمل: الموارد الاقتصادية للدولة، والبنى التحتية التكنولوجية، والقدرة العسكرية. الصراع الاقتصادي - السياسي الآن على أشده بين الدول، وكل دولة تحاول إيجاد مكان مرموق لها على الساحة الدولية من خلال الأداء الاقتصادي المرتفع، وهو يستلزم في جزء مهم منه وجود بنية تحتية تكنولوجية متقدمة في الدولة، وبعض الذين خرجوا خائبين من الحرب العالمية الثانية عسكريا، عادوا منتصرين على الساحة العالمية في حرب التكنولوجيا (اليابان وألمانيا على سبيل المثال)، القوة العسكرية هي القوة الكامنة زمن السلم، وهي الانعكاس للقوة الحقيقية للدولة زمن الحرب.
أما مجموع القوة الثابتة والقوة المتغيرة فيتحدد من خلال 3 عوامل: الذهنية الاستراتيجية: وتعني الرؤية التي يحدد بها المجتمع وضعه بالنسبة للعالم من حوله، فالألمان على سبيل المثال ظل في مخيلتهم أن حدود دولتهم أكبر من الحدود القانونية على الورق، وكان هذا سبباً في توسعهم في القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين مع هتلر، وعلى الجانب الآخر كانت ذهنية الأتراك أثناء عهد الدولة العثمانية تشمل أراضيَ في 3 قارات ثم أصبحت مع إنشاء الدولة التركية الحديثة، الحدود الجغرافية والقانونية فقط للدولة التركية متخلية عن باقي الأراضي ذهنيا، قبل أن يتحول ذلك إلى واقع على الأرض. التخطيط الاستراتيجي، حيث تكون الدوله فاعلاً لا مفعولاً به، لديها رؤيتها الخاصة وأجندتها في العلاقات الدولية، وقوة الدولة في العلاقات الدولية تحدد بقدرتها على المبادرة في الشأن الدولي.
أما الإرادة السياسية: فهي وجود نخبٍ حاكمة لديها الرغبة في الاستفادة من كل هذه العناصر، ودور الدولة في هذه المعادلة يظهر من خلال التخطيط الاستراتيجي والإرادة السياسية، ودول لم تكن تملك الكثير من عناصر القوة الثابتة، أو المتغيرة لكنها استطاعت تحقيق إنجازات كبيرة لوجود الإرادة السياسية والتخطيط الاستراتيجي والاستفادة من طاقات الشباب، خاصة عندما يشكلون جزءا ملموسا وواسعا من التركيب السكاني (كما حدث مع ماليزيا وسنغافورة على سبيل المثال).
أخيراً، فإن العنصر البشري الجيد هو القادر على إكساب العناصر الثابتة روحا وبعدا جديداً، وعلى الاستفادة من العناصر المتغيرة وتطويرها، فهو القوة الاستراتيجية لأي بلد، ولذلك فإن أي بلد يرغب في تطبيق هذه المعادلة، عليه البدء في الاستثمار في العنصر البشري القادر على تحويل هذه المعادلة إلى واقع ملموس.
*مصر