عبر مكبرات الصوت العملاقة المثبتة على عربات الهامر العسكرية، بدأ الجيش العراقي منذ فجر أمس الأربعاء يوجه نداءاته للسكان بلزوم منازلهم ورفع رايات بيضاء فوقها وكذلك مطالبته لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الاستسلام. ويعتمد الجيش هذا الأسلوب في التواصل وبثّ الرسائل لأن المساحة التي يسيطر عليها مسلحو "داعش" لم تعد تتطلب إلقاء منشورات في فضائها، وبات بإمكان الصوت أن يصل لجميع تلك المناطق المحاصرة بشكل كامل من جميع الاتجاهات. وهي أحياء الإصلاح والعريبي والهرمات وتموز وحاوي الكنيسة ومشيرفة والصناعة وبوابة الشام والزنجيلي والنهروان والرفاعي واليرموك، والتي تقع جميعها في الجزء الشمالي الغربي للساحل الأيمن من الموصل.
واكتسب القتال خلال الساعات الماضية طابعاً أكثر شراسة، إذ يتنقل مقاتلو كلا الطرفين من منزل إلى آخر ومن شارع إلى زقاق في حرب عصابات واضحة، لكنها تخاض باستخدام أسلحة ثقيلة بدلاً من المتوسطة، على خلاف ما أعلن عنه مسؤولون عسكريون في بغداد، قبل أيام. وشهدت أحياء نابلس ووادي العين والرسالة معارك عنيفة، فيما تجددت الاشتباكات داخل الموصل القديمة بعد هدوء استمر طيلة مساء الثلاثاء وصباح الأربعاء.
وأعلن القيادي في الجيش العراقي، العقيد سعد خلف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قوات الجيش من الفرقة المدرعة التاسعة والفرقة 16 بالإضافة لقوات الحشد الشعبي تمكنت من السيطرة على قرية الجفال والمجمع السكني في منطقة شيخ محمد شرق منطقة بادوش شمال الموصل". ولفت إلى أن "قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي ستتقدم خلال الساعات المقبلة للسيطرة على الأحياء السكنية شمال الجانب الغربي لمدينة الموصل، بعد السيطرة على أكثر من 80 بالمائة من مساحة منطقة بادوش"، على حد تعبيره.
وعلى الرغم من تقدم القوات العراقية الذي يبدو سريعاً في مناطق غرب الموصل، إلا أنه لم يصدر حتى الآن أي تصريح من القيادات العسكرية العراقية حول السقف الزمني لنهاية المعارك في غرب الموصل، مع أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أعلن أن "معارك الموصل في مراحلها الأخيرة"، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده في مكتبه ببغداد ليلة الثلاثاء. وحذر العبادي مسلحي "داعش" من أنهم سيقتلون إن لم يستسلموا. وذكر أنه سيزور واشنطن الأسبوع المقبل وسيلتقي بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للبحث معه في شأن المعركة وما بعدها.
ومع تواصل العمليات العسكرية في غرب الموصل، اضطرت آلاف الأسر من سكان غرب الموصل إلى النزوح باتجاه مناطق جنوب غرب الموصل بسبب اشتداد المعارك والقصف العشوائي المتبادل بين القوات العراقية وعناصر "داعش"، فضلاً عن تعرض العائلات المحاصرة للجوع والعطش بعد نفاد ما بحوزتهم من مؤن منذ بداية العمليات العسكرية في غرب الموصل. وأشارت تقارير لمنظمات دولية إغاثية إلى أن "عدد النازحين من مناطق غرب الموصل وصل إلى أكثر من 100 ألف نازح منذ انطلاق العمليات العسكرية". وقد أجلي الآلاف منهم إلى خارج الموصل بواسطة المركبات العسكرية وهم يعانون من مشاكل غذائية وصحية لافتقادهم أبسط مقومات الحياة كالغذاء والدواء.
واستمرت القوات الأمنية العراقية في احتجاز مئات الرجال والشباب في ظروف صعبة في منطقة حمام العليل جنوب الموصل لغرض التحقيق معهم والتأكد من عدم انتمائهم لتنظيم "داعش"، بينما سمحت لأفراد عائلاتهم بالتوجه بمفردهم نحو مخيمات النازحين في حمام العليل والقيارة.
ونتيجة تفاقم أوضاع النازحين من مدينة الموصل وعدم قدرة المخيمات على استيعاب المزيد منهم، وجّهت قيادات عسكرية عراقية القوات الأمنية بإبقاء سكان مناطق غرب الموصل في مساكنهم خلال العمليات العسكرية الدائرة هناك، على الرغم من الأوضاع الخطيرة واستمرار الاشتباكات والقصف العشوائي المتبادل. ورجح مسؤولون محليون في الموصل أن تتم إعادة سكان المناطق المحررة في غرب الموصل والبعيدة نسبياً عن مناطق القتال، خلال الأيام المقبلة، لتخفيف الضغط الحاصل على المخيمات والجهود الإغاثية المقدمة للنازحين.