04 أكتوبر 2024
مطربة القُطرين
ربما لم يسمع أحد من الأجيال الجديدة باسم فتحية أحمد، أو مطربة القطرين، وهو اللقب الذي أطلق عليها، لأنها تنقلت للغناء بين مصر وسورية في حياتها الفنية. هي مطربة مصرية عاصرت أم كلثوم، ولحن لها الملحنون أنفسهم الذين عرفتهم أجيال بكاملها، بسبب ارتباط أسمائهم باسم أم كلثوم وصوتها: سيد درويش، أبو العلا محمد، أحمد صبري النجريدي، داود حسني، محمد القصبجي، زكريا أحمد، رياض السنباطي. من يتذكّر هذه الأسماء الموسيقية الكبيرة سيخطر له مباشرة أم كلثوم، وقليلا ربما أسمهان مع القصبجي، لكن باستثناء "السميعة" الحقيقيين، لا أحد سيتذكر فتحية أحمد التي لا يعرفها إلا من يرى في تلك المرحلة، أوائل القرن العشرين، معجزاتٍ فنية، موسيقية وصوتية، تعتمد على التطريب في أداء الدور أو القصيدة أو المونولوغ، أو حتى الطقطوقة.
ولدت فتحية أحمد على الأرجح عام 1905، لأسرة كانت تمتهن الغناء. شقيقاتها ووالدها كانوا يحيون الأفراح في الأحياء الشعبية، وخالتها هي بمبة كشّر إحدى أشهر "عالمات" تلك الفترة. تركت فتحية أحمد دراستها وهي طفلة، والتحقت بكار والدها، الغناء. اكتشفها الفنان نجيب الريحاني حين كانت تغني وهي طفلة في حفلة، وتبناها ودرّبها وأطلقها لمستقبلها الفني (المعلومات من كتاب مطربة القطرين، محب أحمد، دار الجديد في بيروت). عملت مع الريحاني في المسرح، وقدمت مسرحيات غنائية كثيرة، وعملت في مسرح علي الكسّار، وفي مسرح بديعة مصابني، واستلمت إدارته فترة، كانت فيه الراقصة الشهيرة خارج مصر. ضمها الفنان جورج أبيض إلى فرقته، حين سمعها لأول مرة تغني في حفلة في لبنان.
لعل قلةً من يعرفون أن الأغنية الشهيرة التي غناها كثيرون، ومنهم سيد مكاوي، "يا حلاوة الدنيا يا حلاوة"، هي في الأساس لمطربة القطرين، فتحية أحمد. قدّمتها أول مرة في أوبريت يوم القيامة التي لحن أغنياتها زكريا أحمد (ترد الأغنية في "ويكيبيديا" باسم سيد مكاوي، من دون أي ذكر لمطربة القطرين). عاشت فتحية أحمد ردحا قدمت خلاله أعمالا فنية رائعةً كثيرة جدا، فهي صاحبة صوت عريض ومرن، ونفس طويل في الغناء يمكّنانها من أداء مختلف المقامات الموسيقية، يمكن لأي مستمعٍ إليها الآن أن ينتبه إلى طريقتها باللعب في عربها الصوتية، بحيث تمد الجملة اللحنية وتقصّرها، بما يمكنه إظهار مقدراتها الصوتية المذهلة.
مع ذلك كله، لم تحصل مطربة القطرين على ربع الشهرة التي حصلت عليها أم كلثوم. ولم تستطع الصمود للبقاء في ذاكرة الأجيال اللاحقة، وهو، بكل حال، الأمر الذي حدث لغالبية المطربات اللواتي عاصرن أم كلثوم. وحدها أسمهان من بقيت في وجدان الأجيال العربية، على الرغم من رحيلها عن عمر قصير جدا، هل كان صوت أم كلثوم وحضورها الفني طاغيا ومستبدا، بحيث كانت قادرةً على تحييد كل المنافسات لها، فلا يبقى غيرها في الوجدان الجمعي الفني العربي؟
ربما يحتاج الأمر حديثا طويلا عن أم كلثوم، وسطوتها وحضورها الطاغي الممتد أجيالا. أما بشأن فتحية أحمد، فيبدو أنها عاشت حياتها كأي امرأة أخرى، تزوجت أكثر من مرة، وأنجبت أطفالا، وتركت أمور فنها وعملها ليسيرها زوجها. تبعت الحب وعواطفها ومشاعرها الأنثوية، انحازت للحب والحياة على ما يبدو أكثر من انحيازها للغناء، وهو ما فعلته كثيراتٌ من مطربات جيلها، تبعن إغراء الحياة وغوايتها، كان الفن لهن جزءا مهما من الحياة، لكنه على ما يبدو لم يكن الأهم. لم يعملن على تطويع مشاعرهن لتخدم حياتهن الفنية، وهو ما فعلته أم كلثوم بحرص وذكاء شديدين وضعاها في المقدمة، ووضعا الأخريات، بكامل ألقهن وراءها. ولعل المفارقة أن فتحية أحمد توفيت عام 1975، وهو العام الذي توفيت فيه أم كلثوم. توفيت وحيدة في منزلها، ولم يشارك في جنازتها سوى قلة، بينما كانت الست في موتها تضع الجميع وراءها.
ولدت فتحية أحمد على الأرجح عام 1905، لأسرة كانت تمتهن الغناء. شقيقاتها ووالدها كانوا يحيون الأفراح في الأحياء الشعبية، وخالتها هي بمبة كشّر إحدى أشهر "عالمات" تلك الفترة. تركت فتحية أحمد دراستها وهي طفلة، والتحقت بكار والدها، الغناء. اكتشفها الفنان نجيب الريحاني حين كانت تغني وهي طفلة في حفلة، وتبناها ودرّبها وأطلقها لمستقبلها الفني (المعلومات من كتاب مطربة القطرين، محب أحمد، دار الجديد في بيروت). عملت مع الريحاني في المسرح، وقدمت مسرحيات غنائية كثيرة، وعملت في مسرح علي الكسّار، وفي مسرح بديعة مصابني، واستلمت إدارته فترة، كانت فيه الراقصة الشهيرة خارج مصر. ضمها الفنان جورج أبيض إلى فرقته، حين سمعها لأول مرة تغني في حفلة في لبنان.
لعل قلةً من يعرفون أن الأغنية الشهيرة التي غناها كثيرون، ومنهم سيد مكاوي، "يا حلاوة الدنيا يا حلاوة"، هي في الأساس لمطربة القطرين، فتحية أحمد. قدّمتها أول مرة في أوبريت يوم القيامة التي لحن أغنياتها زكريا أحمد (ترد الأغنية في "ويكيبيديا" باسم سيد مكاوي، من دون أي ذكر لمطربة القطرين). عاشت فتحية أحمد ردحا قدمت خلاله أعمالا فنية رائعةً كثيرة جدا، فهي صاحبة صوت عريض ومرن، ونفس طويل في الغناء يمكّنانها من أداء مختلف المقامات الموسيقية، يمكن لأي مستمعٍ إليها الآن أن ينتبه إلى طريقتها باللعب في عربها الصوتية، بحيث تمد الجملة اللحنية وتقصّرها، بما يمكنه إظهار مقدراتها الصوتية المذهلة.
مع ذلك كله، لم تحصل مطربة القطرين على ربع الشهرة التي حصلت عليها أم كلثوم. ولم تستطع الصمود للبقاء في ذاكرة الأجيال اللاحقة، وهو، بكل حال، الأمر الذي حدث لغالبية المطربات اللواتي عاصرن أم كلثوم. وحدها أسمهان من بقيت في وجدان الأجيال العربية، على الرغم من رحيلها عن عمر قصير جدا، هل كان صوت أم كلثوم وحضورها الفني طاغيا ومستبدا، بحيث كانت قادرةً على تحييد كل المنافسات لها، فلا يبقى غيرها في الوجدان الجمعي الفني العربي؟
ربما يحتاج الأمر حديثا طويلا عن أم كلثوم، وسطوتها وحضورها الطاغي الممتد أجيالا. أما بشأن فتحية أحمد، فيبدو أنها عاشت حياتها كأي امرأة أخرى، تزوجت أكثر من مرة، وأنجبت أطفالا، وتركت أمور فنها وعملها ليسيرها زوجها. تبعت الحب وعواطفها ومشاعرها الأنثوية، انحازت للحب والحياة على ما يبدو أكثر من انحيازها للغناء، وهو ما فعلته كثيراتٌ من مطربات جيلها، تبعن إغراء الحياة وغوايتها، كان الفن لهن جزءا مهما من الحياة، لكنه على ما يبدو لم يكن الأهم. لم يعملن على تطويع مشاعرهن لتخدم حياتهن الفنية، وهو ما فعلته أم كلثوم بحرص وذكاء شديدين وضعاها في المقدمة، ووضعا الأخريات، بكامل ألقهن وراءها. ولعل المفارقة أن فتحية أحمد توفيت عام 1975، وهو العام الذي توفيت فيه أم كلثوم. توفيت وحيدة في منزلها، ولم يشارك في جنازتها سوى قلة، بينما كانت الست في موتها تضع الجميع وراءها.