مطبوعات المهرجانات السينمائية العربية: انعدام الفائدة

14 ديسمبر 2018
حسن حسني مُكرَّماً في "مهرجان القاهرة الـ40" (العربي الجديد)
+ الخط -
مهرجانات سينمائية مصرية قليلة تستمر في إصدار مطبوعات في دوراتها السنوية. التقليد مُتَّبع منذ سنين مديدة. تجربة كهذه غير معمول بها في الغالبية الساحقة من المهرجانات العربية، المُقامة في مدن عربية أو في بلدان الاغتراب. "مهرجان دبي السينمائي الدولي" متفرّد بإصدار تقارير متعلّقة باقتصاديات الصناعة السينمائية في العالم؛ بينما يُكثِر "مهرجان دمشق السينمائي الدولي" من الكتب، التي يُشكِّل صدورها أثناء دوراته امتدادًا لعملٍ تهتمّ به وزارة الثقافة عبر "المؤسّسة العامة للسينما".
مهرجانا دبي ودمشق منتهيان حاليًا. الكتب السينمائية تصدر عن الوزارة والمؤسّسة السوريتين بين حين وآخر لغاية الآن. عشرات المهرجانات في المملكة المغربية، وهي بلد صناعيّ في الإنتاج السينمائي، غير مهتمّة بالكتاب السينمائي، رغم تولّي دور نشر هذه المهمّة، وإنْ بوتيرة متواضعة، قياسًا إلى حجم الإصدارات السينمائية في القاهرة مثلاً، خارج مهرجانها السنوي طبعًا. مهرجانات عربية أخرى غير معنية البتّة بهذا الجانب النظري للفن السابع، كحال مهرجانات دولية تنفضّ عن المطبوع، فهدفها غير مرتبط بالكتاب.

السؤال المطروح عادي ومباشر: ما الذي يدفع إدارة "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" إلى التزام هذا الجانب؟ مهرجانا "الإسكندرية لدول البحر المتوسّط" و"الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة" يلتزمانه هما أيضًا. الاختلاف بين المهرجانات الـ3 حاضرٌ في عدد المطبوعات لا أكثر، فالتشابه قوي بينها في جوانب عديدة: الطباعة، والتصميم، ونوع الورق والحرف، والمواضيع الغارقة في محليّتها المصرية. هذا معروف في "مهرجان دمشق": إسراف في العدد، وبهتان في الطباعة وأدواتها وأشكالها، واختزال الكتّاب بعدد من السوريين، قبل انفتاح متواضع على عربٍ قلائل للغاية. المختلف في دمشق كامنٌ في الترجمة. بعض الكتب معنيّ بنقل تراث سينمائي أجنبي إلى لغة الضاد، والمأزق هنا كارثيّ: ركاكة في الترجمة وأصولها، كما في معرفة اللغتين، المترجَم منها والمترجَم إليها.

أما التوزيع، فمنعدمٌ، مع التنبّه إلى استثناءات قليلة للغاية. هذا عائدٌ إلى غياب خطط عملية لتوزيع الكتب العربية كلّها في الدول العربية كلّها، بالإضافة إلى سطوة الرقابة بأنواعها وأشكالها المختلفة، الرسمية وغير الرسمية.

الاستسهال في الكتابة والانعدام شبه المطلق لتحرير علميّ للنصوص قبل نشرها أمران يُسيئان إلى من يُصرّ على التزام هذا الجانب النظريّ، المتمثّل غالبًا في نوعين اثنين: الأول يختار مواضيع يغيب عنها راهن السينما المصرية والعربية بشكل واضح، والثاني يهتمّ بالشخصيات المُكرَّمة. صحيح أن الدورة الـ40 (20 ـ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018) لـ"مهرجان القاهرة" تمكّن من الحصول على "مذكرات مجهولة" للسينمائي المصري صلاح أبو سيف، محفوظة في خزانة الصحافي عادل حمودة؛ وصحيح أن مذكرات كهذه تساهم في فهم بعض المخفيّ في ذات السينمائي، وفي تفكيره وآلية اشتغاله، وفي أحوال السينما والبلد في مراحل عمله. لكن الملاحظات الفنية والتقنية تكشف تسرّعًا في الطباعة، وانعدام تحرير النصّ، وعدم إزالة شوائب منه تتعلّق بخليط العامية بالفصحى، وكثرة النقط، وأخطاء طباعية وكتابية، وغيرها. أما التصميم فتقليدي وغير مريح للنظر، وهذا مهم إذْ غالبًا ما يحدث الانجذاب إلى كتاب بفضل أمرين: العنوان وتصميم الغلاف.

أما بخصوص إصرار مهرجان القاهرة على التزامه إصدار مطبوعات سنوية، فهذا عائد إلى تقليد قديم، يبدو أنْ لا أحد من مسؤولي إدارته راغبٌ في إلغائه. الإصدارات بحدّ ذاتها، كامتدادٍ نظريّ للعروض واللقاءات وورش العمل والمنصّات المفتوحة على الإنتاج والتمويل، مهمّة. هذا يُفترض به أن يساهم في تحصين القراءة من الانقراض، وعدم الاكتفاء بالمُشاهدة رغم أهميتها القصوى. لكن المسألة منسحبةٌ على المضمون وكيفية تقديمه: ما هو عدد الكتب المصرية، الصادرة في سنين مديدة، يتعلّق بالعناوين التالية: السينما والأدب، نجيب محفوظ والسينما، إحسان عبد القدوس وأدبه والسينما، إلخ؟ لماذا تغيب السينما المصرية الجديدة، طالما أن المطبوعات محصورة بمصر، مواضيع وكتّابًا؟ كيف يحدث أن الاهتمام بهذه السينما يحضر في دورة أو أكثر، ويغيب في الدورات كلّها على مستوى المطبوعات؟ ألا يستحق الحراك الإنتاجي الحديث، الذي تشهده السينما، المصرية والعربية معًا، منذ مطلع القرن الـ21 على الأقلّ، التفاتة نقدية تظهر في مطبوعات المهرجانات المصرية المنصرفة إلى المُكرّر والمُمل؟

التساؤلات مشروعة، خصوصًا أن الزملاء والمدعوين العرب بغالبيتهم الساحقة غير مهتمّين بمطبوعات توزَّع لهم يوم وصولهم، فيتركونها في غرفهم عند عودتهم إلى بلادهم. ولهذا التصرّف أسباب مختلفة، يبدو أن تكرار المواضيع وسوء التصميم والطباعة والاستسهال في الكتابة وسرعتها، أبرزها.
المساهمون