مطالب بدمج المصارف الحكومية في تونس لمواجهة مأزق التمويل

23 ديسمبر 2017
المستثمرون يشكون من ضعف التمويل (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يتسم القطاع المصرفي في تونس بالتشتت وضعف الموارد الذاتية من السيولة، ما يتطلب إجراء مراجعات كبيرة في طريقة عمل هذه المصارف وإدارتها عبر الاتجاه نحو أفكار جديدة لتطوير هذه المنظومة ومنها دمج البنوك الحكومية، حسب خبراء اقتصاد ومال تحدثوا لـ"العربي الجديد".
ويعد ملف المصارف الحكومية من أبرز ملفات الإصلاح الاقتصادي التي تشتغل عليها الحكومة بطلب من صندوق النقد الدولي. ولتجنب خيار التفويت (الخصخصة) للمصارف الحكومية الثلاثة (البنك الوطني الفلاحي والشركة التونسية للبنك وبنك الإسكان) طفى على السطح، أخيراً، خيار القطب البنكي عبر عملية دمج تدريجية.

ومنذ سنة 2015 انطلقت الحكومة في إصلاحات عميقة في الجهاز المصرفي بعد المصادقة على مشروع قانون المصرف المركزي والمؤسسات المالية، فيما يحتاج دعم الصلابة المالية للمصارف إلى توفير احتياطات مالية في المصارف بين 600 و800 مليون دينار (بين 280 و380 مليون دولار)، وفق خبراء الاقتصاد.
ويشير الخبير المصرفي حبيب الكراولي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى حاجة الدولة في هذا الظرف الاقتصادي إلى إحداث قطب بنكي حكومي ناجع يساهم في ترجمة سياستها المالية وعدم اللجوء للاقتراض الخارجي من أجل دعم البنوك.

ويشير الكراولي إلى افتقار الجهاز المصرفي التونسي لبنك قادر على تمويل مستثمر تونسي خارج البلاد فضلا عن غياب المصارف التونسية من قائمة أفضل 50 مصرفاً في أفريقيا، فيما يحتل بنك تونس العربي الدولي (أكبر مصرف تجاري تونسي) المرتبة 57 أفريقياً و21 على مستوى دول المغرب العربي.
وفي وقت سابق، قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إن الحكومة تدرس خيارات عديدة لدعم صلابة البنوك الحكومية، مشددا على أهمية هذه الأذرع المالية في تمويل الاقتصاد بما في ذلك إمكانية دمج البنوك التي يقترحها خبراء الاقتصاد.
وتحتاج الحكومة لتنفيذ خطتها لخلق نسيج جديد من المؤسسات المتوسطة والصغرى إلى مصارف تتحمل جزءا من المخاطرة في تمويل هذه المشاريع، وتعتبر البنوك الحكومية الأقرب لتنفيذ هذه الخطة.

ويشتمل الجهاز المصرفي التونسي على 24 مصرفاً، من بينها 6 مصارف تستحوذ على 70% من السوق، غير أنها توصف، وفق الخبراء الماليين، بالصغيرة الحجم، ما يستدعي إعادة النظر في هيكلتها. ويرى الخبير المالي معز الجودي، أن منظومة مصرفية تضم 24 مصرفا في بلد لا يتجاوز تعداد سكانه 11 مليون ساكن لا يؤدي إلا لتشتت المصارف دون أي جدوى تذكر، مشيرا إلى أن ضعف تمويل المصارف للاقتصاد أكبر دليل على ذلك.

وقال الجودي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الدولة مطالبة بالتخلي على مساهمتها في أحد البنوك الثلاثة للحصول على أرباح مهمة مقابل ضم مصرفين اثنين في إطار قطب مالي يتولى تمويل القطاعات التي تتجنبها المصارف التجارية الخاصة بسبب ارتفاع نسبة المخاطرة في تمويل هذا الصنف من الاستثمارات على غرار الاستثمار في القطاعين الزراعي والسياحي فضلا عن تمويل نسيج المؤسسات الصغرى والمتوسطة، حسب قوله.

أضاف الجودي أن البنوك التونسية مدعوة إلى أن ترتقي لمواصفات اتفاقية "بازل 2"، التي أكدت على جملة من الإجراءات، ومن بينها أن الأموال الذاتية للبنوك يجب ألا تقل عن 8% من المبلغ الإجمالي للقروض المسندة.
ودعا صندوق النقد الدولي منذ 2013، الحكومة التونسية إلى ضرورة الإسراع في إعادة هيكلة المنظومة المالية، عبر الاستفادة من الممارسات الدولية في هذا المجال، معتبرا أن هذه الإصلاحات مهمة جدا للاقتصاد التونسي الذي يعيش فترات صعبة بسبب دخوله في مرحلة الانكماش منذ ما يناهز السنة.

وتعيش مصارف تجارية تونسية وضعا صعبا أدى إلى اتخاذ قرارات بتقليص عدد من فروعها وإعادة هيكلة الموارد البشرية بهدف تحسين الحوكمة صلبها. وأعلن الاتحاد البنكي للصناعة والتجارة (مصرف تجاري خاص)، الخميس الماضي، عن نيته غلق 20 فرعا وتسريح عدد من الموظفين بمحافظات مختلفة، في قرار اعتبرته نقابة المصرف خطوة نحو تقليص نشاط البنك.
يعد الجهاز المصرفي التونسي من أقدم المصارف في أفريقيا والعالم العربي، حيث ترجع بداياته إلى نهاية القرن التاسع عشر، عندما أُسست عدة مصارف، مثل البنك الفرنسي التونسي (1879)، والبنك التونسي (1884)، كما أُنشئ بعد الاستقلال البنك المركزي التونسي للإشراف على القطاع، وأصدر الدينار ليكون العملة الوطنية، ليليه إنشاء الحكومة الشركة التونسية للبنك (1957)، والبنك القومي التونسي (1959)، بهدف توطين القطاع، فيما بقيت بعض فروع البنوك الأجنبية نشطة في البلاد.


المساهمون