لم تُحسم إلى الآن المعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في مدينة سرت الليبية، رغم مرور ستة أشهر على انطلاقها، وثلاثة أشهر على دخول الدعم الجوي الأميركي لقوات عملية "البنيان المرصوص" على خط المعركة.
ومنذ إطلاق المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، عملية "البنيان المرصوص"، في مايو/أيار الماضي، انحصر الحديث عن "داعش" داخل مدينة سرت، لكنّ التنظيم أثبت وجوده بعملياته خلال السنتين الماضيتين، في أكثر من منطقة في جنوب وغرب البلاد، وحتى في العاصمة طرابلس، والتي تبنّى فيها أكثر من هجوم نفّذه.
ولا يزال التنظيم يبدي مقاومة شرسة داخل سرت، رغم أنّ وجوده انحصر في مئات الأمتار داخل حي الجيزة البحرية، أقصى شمال المدينة، حيث سقط عشرات القتلى ومئات الجرحى داخل الحي منذ حصاره، قبل شهرين.
ويبرز سؤال في ليبيا، حول مصير تنظيم "داعش"، ووجهته المقبلة داخل البلاد، أو إمكانية إنهاء وجوده مع حسم المعركة في سرت.
وقد اعترف المتحدث باسم عملية "البنيان المرصوص"، محمد الغصري، قبل أسابيع، بوجود عناصر تابعة لـ"داعش" تتنقّل عبر الطرقات الصحراوية جنوب سرت، وتنفّذ هجمات على خطوط قوات "الرئاسي" الخلفية، كاشفاً أنّ العناصر يقيمون، بين الحين والآخر، حواجز تفتيش على طريق بونجيم جنوب المدينة.
كما عكست تسريبات مسؤولين مقرّبين من المجلس الرئاسي، في وقت سابق، تقدّم المجلس بطلب للولايات المتحدة لتوسيع ضرباتها الجوية خارج سرت، وهو ما أكدته صحيفة "واشنطن بوست"، الأسبوع الماضي، حيث نقلت عن مصادرها عزم قيادة "أفريكوم" توسيع ضرباتها الجوية، يأتي لملاحقة عناصر "داعش" الفارّين من سرت، والمتوجهين إلى مناطق أخرى من بينها العاصمة طرابلس.
وفي ظل التشديدات الأمنية لدول الجوار، لا سيما تونس والجزائر، على حدودها مع ليبيا، يبدو أنّ التنظيم لن ينتقل بعيداً عن سرت، إذ قد يجد له موقعاً جديداً داخل البلاد، معتمداً ربما على تنفيذ هجمات خاطفة.
وتعكس تصريحات قيادات التنظيم، امتلاكه القدرة على التكيّف، والبحث عن بدائل أخرى خارج سرت، كبناء شبكات العناصر المتنقلة والخلايا النائمة.
كما أنّ اللافت في تصريحات قادة "داعش"، أنها لا تزال تطالب عناصر التنظيم بالتوجّه إلى ليبيا، الأمر الذي لا يدل على نهاية قريبة للتنظيم في البلاد.
ونشرت مواقع مقربة من "داعش"، قبل أيام، تسجيلاً صوتياً لزعيم التنظيم، أبوبكر البغدادي، يعترف فيه بمواجهة صعوبة في سورية، لكنّه قال إنّ "طريق الهجرة إلى ولايات طرابلس وبرقة وفزان لا يزال متوفراً".
وفي وقت أعلنت قوات عملية "البنيان المرصوص" تحرير أغلب أحياء سرت، وحصر وجود "داعش" في حي الجيزة، في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن التنظيم عن تعيينه أبا حذيفة المهاجر، زعيماً جديداً للتنظيم في ليبيا.
وأكد أبو حذيفة، بحسب تصريحاته التي نقلتها وكالة "أعماق" التابعة لـ"داعش"، أنّ التنظيم لا يزال يستقبل مقاتليه الأجانب الوافدين إلى ليبيا، قائلاً إنّ "كتائب الصحراء" التي تكوّنت حديثاً، هي المسؤولة عن تأخر سير معارك قوات "الرئاسي" في سرت، مما يشير إلى أنّ عناصر "داعش"، والتي يبدو أنّها تنفّذ هجماتها قادمة من صحراء سرت، تشارك أيضاً في معارك سرت، عبر قنوات بينها وبين ما تبقّى من عناصر التنظيم داخل المدينة، للتواصل وإيصال الإمدادات والمقاتلين.
وسبق وأن اعترفت قوات "الرئاسي" بوقوع عدد من الهجمات استهدف صفوفها الخلفية من ناحية الغرب والجنوب، مما قد يؤكد صحة تصريحات أبي حذيفة.
وفي السياق ذاته، أعلن أبرز قادة التنظيم في ليبيا، أبو معصب التونسي، في تسجيل صوتي، عن وصول قيادات فارّين من سرت إلى "مكان آمن يستعدون لعمليات جديدة لصالح التنظيم".
وتعتبر المنطقة الغربية بثقلها البشري والسياسي، من أهم المناطق التي يطمح "داعش" إلى الوصول إليها، بسبب توفيرها فرصة للتنظيم للتواجد في طرابلس، لا سيما أنّ الطرقات الداخلية المارة بالجبال تمكّنه من التواصل مع خلاياه المتواجدة في تونس، والتي توفّر له عشرات المقاتلين.
ويرجّح مراقبون أن تكون منطقة بني وليد، المركز الجديد للتنظيم، حيث مقوماتها الجغرافية وموقعها لا يختلفان كثيراً عن سرت، إذ إنّها تتوسّط البلاد وتشرف على شبكة طرقات معقدة تصلها بالصحراء وبالعاصمة طرابلس وبالشرق أيضاً، والأهم أنّها تتاخم مدينة مصراته مركز قيادة قوات المجلس الرئاسي.
وسبق وأن أعلنت قوة الردع التابعة للمجلس الرئاسي، أنّها قبضت على عناصر لـ"داعش" في بني وليد، كانوا يشرفون على لقاءات للتواصل مع قيادات مجموعات أخرى مناوئة للتنظيم، من بينها تنظيم "القاعدة"، للسماح لـ"داعش" بالتمركز في مناطق بالجنوب، بالإضافة إلى بني وليد وترهونة القريبة من طرابلس.
ورغم التكهنات، إلا أنّ "داعش" يبدو أنّه لا يزال قادراً على التكيّف والتشكّل حسب معطيات الواقع، وهو ما قد يمكنه من البقاء في ليبيا، مستفيداً من الفراغين السياسي والأمني واللذين لا يتوفران في دول أخرى مجاورة.