مصير "ستارت 3" رهن الابتزاز النووي

15 يوليو 2020
وقّع مدفيديف وأوباما المعاهدة في إبريل 2010 (دميتري أستاخوف/فرانس برس)
+ الخط -

مع بقاء أشهر معدودة على انتهاء المعاهدة الروسية الأميركية للحدّ من الأسلحة الهجومية الإستراتيجية "ستارت 3" في فبراير/شباط المقبل، تتزايد مؤشرات انسحاب واشنطن الحتمي من الاتفاقية، في ظلّ توجه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نحو ردع الصين عبر إدخالها في المعادلات النووية، والتخلّص من أي اتفاقات دولية تكبل يدي البيت الأبيض مثل الاتفاق النووي الإيراني واتفاق باريس للمناخ وغيرهما. وما يزيد من أهمية معاهدة "ستارت 3" وخطورة إبطال مفعولها، هو أنها تظلّ في الواقع، الاتفاقية الأخيرة التي من شأنها فرض قيود على القوة العسكرية لأكبر دولتين نوويتين، إذ اقتضت عند توقيعها في عام 2010، تقليص عدد الرؤوس الحربية النووية لدى كل من روسيا وأميركا إلى 1550، والصواريخ البالستية العابرة للقارات والصواريخ البالستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة إلى 700 قطعة.


يثير التوجه الأميركي نحو الانسحاب من المعاهدة حفيظة موسكو

ويثير التوجه الأميركي نحو الانسحاب من المعاهدة حفيظة موسكو التي عبرت على لسان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، عن قناعتها بأنّ "الاتصالات الخجولة" بين الخبراء لا تقرب البلدين من إدراك مسؤوليتهما عن الحفاظ على أي اتفاقيات سارية، واصفاً العلاقات بين موسكو وواشنطن بأنها تكاد تكون في "أدنى نقطة". أما وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فاعتبر في وقت سابق أنّ الإصرار الأميركي على تحويل المفاوضات إلى إطار ثلاثي مع إشراك الصين، يدلّ على أنّ مسألة الانسحاب من المعاهدة باتت محسومة.

لكن على الرغم من التصريحات الحازمة الصادرة عن موسكو، إلا أنّ الأخيرة تتفهم القلق الأميركي من تنامي القوة العسكرية الصينية، وفق ما يوضحه أستاذ العلوم السياسية بـ"معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية"، كيريل كوكتيش. ويقول كوكتيش في حديث لـ"العربي الجديد": "يصعب تمديد معاهدة ستارت، في ظلّ انتهاء نظام العالم ذي القطبين والتحول إلى عالم ثلاثي الأقطاب، فلم تعد الولايات المتحدة ترغب في تمديد المعاهدة في إطار ثنائي".

وحول الموقف الروسي من التوجه الأميركي نحو الانسحاب، يضيف: "تتفهم روسيا موقف واشنطن وقلقها، ولكنها تدرك أيضاً أنّ الصين لن تقبل المشاركة في المفاوضات متعددة الأطراف، لحين إنماء ترسانتها النووية إلى مستويات قريبة من مثيلتيها الروسية والأميركية، أو في حالة خفض الولايات المتحدة ترسانتها إلى مستوى ترسانة الصين".

كما أنّ هناك شرطاً أميركياً آخر لا يُرضي موسكو هذه المرة، وهو إصرار واشنطن على وقف أعمال تطوير بعض الأسلحة الروسية الحديثة التي لا تقع تحت طائلة معاهدة "ستارت"، بما فيها صواريخ "بوريفيستنيك" المزودة بمحرك نووي. ومع ذلك، أكد لافروف على استعداد بلاده لبدء حوار حول تلك الأنواع من الأسلحة غير الكلاسيكية من وجهة نظر المعاهدة الحالية.

من جهته، وصف أستاذ العلوم العسكرية، قسطنطين سيفكوف، الإصرار الأميركي على عدول روسيا عن تطوير أسلحتها الحديثة بأنه "ابتزاز نووي". وقال في حديث لوكالة "نوفوستي": "لا يدل ذلك سوى على أنّ الولايات المتحدة لم تبق لديها آليات للحفاظ على الريادة العالمية إلا عن طريق الابتزاز النووي. إنهم تخلفوا في بعض الاتجاهات الاقتصادية عن الصين، وعن روسيا لناحية بعض التكنولوجيا العسكرية مثل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. لذلك يسعون لثنينا عن التصاميم المتقدمة، وعلينا ألا نقع في هذا الفخ".


كوكتيش: يصعب تمديد معاهدة ستارت، في ظلّ انتهاء نظام العالم ذي القطبين والتحول إلى عالم ثلاثي الأقطاب

بدوره، قال رئيس تحرير مجلة "ترسانة الوطن" العسكرية الروسية، فيكتور مورخاوفسكي، لـ"نوفوستي": "المنظومة الكاملة التي بنيت بدقة في ظروف النزاعات الحادة أثناء الحرب الباردة هُدمت بمبادرة من واشنطن".

وكان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، قد وصف الموقف الأميركي من معاهدة "ستارت" بأنه "غير بنّاء"، محذراً في حديث لصحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية من احتدام سباق التسلح في حال عدم بذل جهود للحفاظ على النظام العالمي القائم في مجال تقليص الأسلحة.

يذكر أنّ مدفيديف وقّع حين كان يشغل منصب رئيس روسيا مع نظيره الأميركي آنذاك، باراك أوباما، في إبريل/نيسان 2010 على معاهدة "ستارت 3" وسط تحسن ملحوظ في العلاقات الروسية الأميركية وقتها استمرّ حتى إقدام موسكو على ضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014 ودعمها لمنطقة دونباس الموالية لها شرق أوكرانيا.

لكن على الرغم من تدهور العلاقات الروسية الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية، إلا أنّ الأمن الدولي وقضايا الحدّ من الأسلحة ظلّت مجالاً مثمراً للتعاون الروسي الأميركي لحين توجه ترامب للانسحاب من اتفاقيات الأسلحة واحدة تلو الأخرى، بما فيها معاهدة الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى، واتفاقية السماوات المفتوحة، وغيرهما.