يواصل الروائي المغربي مصطفى لغتيري تعزيز مشروعه السردي وتنويعه مع جديده "الأطلسي التائه" الصادرة أخيراً عن "دار الآداب". يبني العمل متنه السردي على شخصية القطب الصوفي الشهير أبي يعزى الهسكوري، المعروف لدى الأوساط الشعبية في دول المغرب العربي بمولاي بوعزة.
تمثل "الأطلسي التائه" مرحلة جديدة في كتابة لغتيري الروائية، إذ يحاول فيها أن يدخل إلى مجال التصوف من خلال أحد أعلامه الذين عاشوا في المرحلة الانتقالية التي عرفها المغرب خلال انتقال السلطة من يد دولة المرابطين إلى دولة الموحدين. وقد عُرفت هذه الفترة بصراع مرير على السلطة دام لمدة طويلة وتسبب بظهور مجاعات وأوبئة بسبب عدم استقرار الوضع السياسي.
وقد شهدت تلك الفترة ظهور أهم أقطاب التصوف في المغرب، من أمثال أبي شعيب السارية وعبد الله أمغار وأبي يعزى الهسكوري الذي خصص له الكاتب هذه الرواية، حيث أعاد صياغة حياته خيالياً.
المعروف أن القطب الصوفي بوعزة قد تنقل في حياته الطويلة بين مدن وقرى مغربية عدة، التقى فيها بكثير من المتصوفين والعباد، حتى أنه يقال أنه تتلمذ على يد أكثر من أربعين شيخاً، كما أنه عانى من جور الحكام وتعنّتهم. ورغم المغريات الكبيرة، ظل بعيداً عن السلطة، وزاهداً في متاع الدنيا، وكان يعالج المرضى بالأعشاب، ويتكفل بإطعام المتسولين بإمكاناته البسيطة.
يقول لغتيري عن تطرّقه لأول مرة إلى عالم التصوف والاحتفاء بأحد أقطابه: "اهتمامي بشخصية المتصوف سيدي بوعزة، يروم إلى التذكير بالتسامح الديني الذي أصبحنا نعاني من غيابه، خصوصاً مع حملة التطرف الديني التي يبدو أنها ستأتي على الأخضر واليابس وتعيدنا إلى مرحلة الانحطاط".
الرواية مكتوبة بأسلوب سلس، وبلغة تعبّر عن الحقبة الزمنية التي تتناولها. ومن خلال تتبع دورة حياة الصوفي بوعزة، يمكننا الوقوف على العديد من التفاصيل الصغيرة التي تعطي صورة حية للحياة الفكرية والمعيشية للمغرب في ذلك الوقت.
تجربة مصطفى لغتيري غنيةٌ في مجال السرد، إذ في رصيده اثنتا عشرة رواية ومجموعة قصصية، من بينها "رجال وكلاب"، و"عائشة القديسة"، و"أحلام النوارس"، و"ليلة أفريقية"، و"رقصة العنكبوت"، إضافة إلى عدة عناوين نقدية في فن القصة القصيرة.
وقد اتسمت غالبية أعمال لغتيري السابقة بأسلوب واقعي واقتربت من أجواء السيرة الذاتية، حيث كتب أعمالاً تحدث فيها عن عائلته، أمه تحديداً، وأخرى تناول فيها مزاولته مهنة التدريس، وغيرها من الأعمال التي تتجلى فيها تفاصيل حياته الشخصية لمن يعرفه.