مصر: ذكريات "جمعة الغضب"..عن الخوف والميدان

28 يناير 2016
يحمل المصريون في أذهانهم ذكريات ثورة 25 يناير (الأناضول)
+ الخط -

اليوم، تحلّ الذكرى الخامسة لمظاهرات يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011، المعروفة إعلاميا بـ"جمعة الغضب"، والتي خرجت فيها تظاهرات حاشدة في أغلب المحافظات المصرية، تهتف "الشعب يريد إسقاط النظام" للمرة الأولى.

"أتذكره جيداً بكل تفاصيله، ولكن بقي في ذهني ساعة الغروب، حيث انطوت الشمس في السماء، وتصاعدت من حولي أعمدة دخان القنابل المسيلة للدموع، وهي تتمدد بشكل عشوائي في الهواء".

"يومها خرجت من البيت في الصباح الباكر، عقب مشادات عنيفة مع أهلي الذين خافوا عليّ من النزول حينها، أصررت وتوجهت مباشرة إلى ميدان مصطفى محمود للمشاركة في المسيرة المنطلقة من هناك". تقول إيناس لطفي، الفتاة العشرينية، التي سبق لها أن شاركت في عدة مظاهرات معارضة في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك.

وتروي لطفي "مشيت مع صديقاتي في المسيرة، حتى مشارف ميدان التحرير، عقب المعركة الطاحنة على كوبري قصر النيل، إلى أن حل الظلام، وبدأت أشعر بالقلق والخوف على أهلي.. فقررت العودة. وكانت العيون تتفحصني طول الطريق، وكان يبدو عليّ آثار الغاز المسيل للدموع، مما يعني أنني كنت في الميدان، البعض حاول إيقافي لسؤالي عما يدور في الميدان، ولكني أبيت وواصلت السير.. كنت منهكة".

اقرأ أيضاً: ذكرى 25 يناير... تكريس خوف النظام من الشعب

في حدود الساعة الواحدة ليلاً من فجر جمعة الغضب، بدأت موجة من الاعتقالات الواسعة لعشرات من النشطاء السياسيين من شباب الثورة ومن كافة الأحزاب التي أكدت مشاركتها في هذه التظاهرات، وفي بداية هذا اليوم أصدرت وزارة الاتصالات أمراً بوقف خدمة الإنترنت والرسائل النصية القصيرة والاتصال عبر الهواتف المحمولة في جميع أنحاء الجمهورية المصرية وفي كل الشبكات.

إسماعيل عبد الحميد، سرد حكاية عن تفاصيل ذلك اليوم،"صباح يوم جمعة الغضب، خرجت أنا وأخي للتنزه في القاهرة. جلسنا في أحد المقاهي الشعبية، وتابعنا ما يحدث من خلال التلفزيونات، وتحركنا باتجاه حي الزمالك قبل الظهر، وكانت الأجواء هادئة تماماً، وبعد صلاة الجمعة، أراد أخي زيارة حديقة الحيوان؛ فتوجهنا للجيزة، وهناك شاهدنا مسيرة ضخمة يبدو أنها تحركت حينها من أمام جامعة القاهرة أو مسجد الاستقامة. توجه أخي لأحد الضباط بسؤال: هل حديقة الحيوان مفتوحة يوم الجمعة؟ فرد عليه الضابط: حسبي الله ونعم الوكيل".

تعجّب عبد الحميد وشقيقه من إجابة الضابط، التي فهموها فيما بعد، وأوصل عبد الحميد شقيقه إلى محطة القطار للعودة للمنيا، فيما عاد هو إلى ميدان التحرير، لمشاركة الجماهير في ثورتها التي يبدو أنها ستتحقق، على حد قوله.

بدأت بعد أداء صلاة الجمعة، في 8 يناير/كانون الثاني 2011، تظاهرات شعبية واسعة في عدد من المدن المصرية، فخرج الملايين في أغلب المدن، منها القاهرة، الإسكندرية، السويس، المنصورة، طنطا والإسماعيلية...، مسيرات رافضة لسياسة القمع والرعب التي اتخذتها الشرطة المصرية منهجاً لها خلال عدة سنوات سابقة.

 أطلق رجال الأمن في القاهرة القنابل المسيلة للدموع واعترضوا المتظاهرين في محاولة لمنعهم من الوصول إلى ميدان التحرير، والميادين الكبرى في مصر، كما أطلقت القوات الأمنية الرصاص المطاطي على المتظاهرين، مما أدى لإصابات عديدة، ولاحق رجال أمن بملابس مدنية المتظاهرين وقاموا باعتقال بعضهم. جموع الغاضبين واصلت تظاهرها، وتمركز المتظاهرون في ميدان التحرير، وهم يهتفون بسقوط الرئيس المصري ونظامه كاملاً.

اقرأ أيضاً: 25 يناير: 5 سنوات لا تكفي لقتل الثورة

كما امتدت المظاهرات إلى مناطق أخرى في البلاد مثل السويس والإسكندرية. مع عصر اليوم نفسه، كان المتظاهرون قد نجحوا في السيطرة بالكامل على مدينتي الإسكندرية والسويس، وتم إحراق معظم مراكز الشرطة في الإسكندرية، واضطرت قوات الأمن في آخر الأمر إلى الانسحاب من المدينة بعد الفشل في قمع المتظاهرين.

ومن القاهرة إلى محافظة الإسكندرية، حيث روى "م.أ" وهو عضو بجماعة الإخوان المسلمين فضل عدم الكشف عن هويته، لأنه مطارد من الشرطة المصرية حالياً.

يقول إنه يوم جمعة الغضب، كان أمام قسم شرطة المنشية بوسط الإسكندرية، الذي يخدم مناطق المنشية والسبع بنات، وهي مناطق شعبية إلى حد كبير. هاجمت مجموعة من البلطجية قسم الشرطة، واقتحمته، ففر الضباط من القسم، إلا المأمور وهو ضابط كان برتبة عقيد حينها، رفض الفرار".

ويضيف "م.أ" عن يوم اقتحام قسم المنشية "كنت أنا ومجموعة من الأصدقاء بالقرب من القسم، وشاهدنا واقعة اقتحام البلطجية، وفرار الضباط، فدخلنا القسم ووجدنا المأمور ملقى على الأرض بعدما طعنه أحدهم بسكين في كتفه وتصور أنه مات"، ويضيف "حملنا المأمور على أكتافنا، وقال لي "أرجوك ما تسيبنيش ليهم. فقلت له مش هسيبك غير في المستشفى، وهجيلك البيت بعد ما تخرج علشان أتطمن عليك".

"وتوجهنا بالمأمور إلى المسجد المجاور للقسم، وتوجه أحدنا إلى مجموعة من ضباط الجيش في المنطقة، وحكى له الواقعة، وطلب منه استدعاء سيارة لنقل المأمور إلى المستشفى"، وهو ما حدث بالفعل، فقد توجهت سيارة تابعة للجيش إلى المسجد، وحملت المأمور إلى أقرب مستشفى.

اقرأ أيضاً: 5 سنوات على 25يناير: تجريم التظاهر ولا اعتراف بالتضحيات

إلى الآن، لا يعرف "م.أ" المطارد من قبل الشرطة المصرية، مصير هذا الضابط، "وما إذا كان حياً أم ميتاً، وما هو موقفه من الثورة ومن الإخوان وممن حموه يوم جمعة الغضب".

في نهاية يوم 27 يناير/كانون الثاني 2011، نزلت مدرعات الجيش المصري إلى شوارع المدن لتعويض دور قوات الشرطة التي هربت بعد أن أثبتت أنها لا تقدر على تحمل الضغوطات وحدها.

بالموازاة مع مسيرات جمعة الغضب، برزت فكرة عمل "اللجان الشعبية"، والتي تكونت من أهالي المناطق، حيث تأسست في كل منطقة لجنة تضم خيرة شبابها ورجالها، والذين تسلحوا بكل ما يمكن اعتباره سلاحاً (أسلحة نارية، أسلحة بيضاء، الشوم والعصي وحتى سكاكين المطبخ أو الزجاجات الفارغة)، وانتشروا في شوارع مناطقهم على شكل دوريات لتأمينها، وتعويض دور الشرطة المفقود، وعجز الجيش عن تأمين كافة أنحاء البلاد.

وقامت "اللجان الشعبية" حينها، بفحص التراخيص والبطاقات الشخصية لكافة الأشخاص المارّين في الشوارع، سواء راجلين أو في سيارات، وتفتيش الأخيرة للتأكد من خلوها من السلاح، ووضع متاريس تساعدهم على السيطرة على حركة المرور، للحماية من هجمات الخارجين عن القانون.

وساعد العدد الهائل للمتطوعين في هذه اللجان، في تأمين معظم شوارع مصر، وقد نجحت الفكرة بشكل غير متوقع، ومنعت وقوع سرقات واعتداءات، فضلاً عن إلقاء القبض على عدد كبير من الهاربين من السجون، وأدت لفرض نوع من النظام في الشارع المصري.

ويتذكر المصريون من تلك الفترة، عمل أعضاء اللجان في مجموعات، وتقسيم حراستهم للأحياء إلى ورديات تساعدهم في البقاء في المهمة لمدة 24 ساعة، بل ووصلوا لاختراع كلمات سر لضمان تسليم "الوردية" للأعضاء الحقيقيين للجنة، وفي بعض اللجان تم إعداد شعار صغير بسيط يرمز للجنة الشعبية لتسهيل تعاونهم معاً، وقد استمرت هذه اللجان لحين خطاب التنحي يوم 11 فبراير/شباط 2011.

اقرأ أيضاً: السيسي و25 يناير: خطاب مبارك واستهجان من شباب الثورة