مصر تفرح بأسيادها

01 سبتمبر 2015
+ الخط -
في أزمنة الانحطاط والتخلف، لا يرى الحاكم إلا نفسه والجوقة المحيطة به، فالكل بنظره عبيد في بلاطه، وخدم تحت الطلب، وحشرات لا تستحق سوى الدهس تحت الأقدام، يتشاءم من الالتحام بالجماهير، ويكره مجرد لفظ الشعب، في زمن المكارثية الانتقائية والعنصرية المقيتة، وحملة الاستئصال والتطهير العرقي للمعارضين في ظل عودة الطبقية المقززة على أرضية ثنائية العبيد والأسياد.
شهدت مصر رِدة قوية بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، في كل شيء، وعلى كل المستويات والأصعدة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعلمياً، بهدف ترسيخ عسكرة المجتمع، شعباً ومؤسسات، بما يضمن ديمومة الحكم العسكري، حتى آخر مواطن مصري، وتأميم الحياة لصالح فصيل حاكم واحد.
تلك العقلية الاستعلائية هي التي تحكمنا في مصر الآن، وقد أكد عليها وعبّر عنها اللواء أركان حرب عصمت مراد، مدير الكلية الحربية قبل أسابيع في حواره ل"المصري اليوم" المعبرة عن النظام، في 31 يوليو/تموز الماضي، قائلاً إنه يتم اختيار طلاب الكليات العسكرية والحربية، وفقاً لثوابت واشتراطات صارمة، لا تهاون فيها. موضحا أن اختبار هؤلاء الطلاب لا يقتصر على فترة التقدم للالتحاق فقط، لكنها تمتد لما بعد الالتحاق، حيث يتم إجراء اختبارات أخرى لهم بعد التحاقهم بالكليات العسكرية بثلاثة أشهر. وأكد عصمت أن طلاب الكلية الحربية يعرفون كيف يفرقون بين الإنسانية والمودة وبين العمل والالتزام ، ويعرفون تماماً أنهم قادة المستقبل، وأنهم "الوزراء، والمحافظون، والسفراء، ورؤساء الجمهورية، والمديرون، بفضل تضحياتهم وعملهم الجاد".
واستكمالاً لإجراءات عسكرة الدولة ، قرّر وزير التعليم العالي المصري، السيد عبدالخالق (20 أغسطس/آب الماضي)، تطبيق التوزيع الإقليمي على الطلاب الراغبين في الالتحاق بكليتي الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، وحصْر الالتحاق بهما في طلاب القاهرة الكبرى وإقليم القناة (الإسماعيلية- السويس- بورسعيد) وسيناء. وكشف مصدر في وزارة التعليم العالي لـ"العربي الجديد" أن تعليمات أمنية وصلت إلى مكتب وزير التعليم العالي، عقب إعلان نتيجة الثانوية العامة، وأن الوزير تبنّى القرار في المجلس الأعلى للجامعات الذي قرر تطبيق نظام التوزيع الإقليمي على كليتي الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، على الرغم من عدم وجود مثيل لهما في الأقاليم، موضحا أن جهات أمنية تريد تخفيض أعداد الطلاب الذين يلتحقون بالمدن الجامعية، لتقليص أعداد المتظاهرين الذين يقودون التظاهرات الطلابية ضد النظام الحاكم.
وكانت تقارير أمنية قد كشفت، العام الماضي، أن أغلب التظاهرات والاحتجاجات الطلابية، العام الماضي، قادها طلاب يسكنون المدن الجامعية. ولفت المصدر إلى أن الجهات الأمنية أكدت، في تقارير سابقة لوزير التعليم العالي، أن أغلب طلاب محافظات الصعيد والوجه البحرى ينتمون للتيار الإسلامي، ويقودون المظاهرات الطلابية ضد النظام الحالي.
ما سبق من إجراءات ممنهجة، الغرض منها باختصار، اغتيال الشخصية المصرية في أعز ما تملك، وهو شبابها، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ما دام هذا الانقلاب يحكم، فخيرة علمائنا وشبابنا يقبعون داخل غياهب وأقبية السجون والمعتقلات اللآدمية. إنهم يدركون أن الشباب هم روح أي أمة حية، لذلك يقتلونهم بالبطيء في السجون، ويستهدفون عقولهم داخل جدران الجامعة بالعصا الأمنية الغليظة، فضلاً عن المناهج الدخيلة التي تهدم الشخصية المصرية الإسلامية.
ويُؤكد هذا الأمر أننا نعيش في أحط نموذج لدولة العبيد والأسياد، والمقصود، هنا، منع ابن الفلاح (الخرتيت) بنظر"الأسياد" من دخول كليتي توجيه الرأى العام والوعي الذي يُراد له أن يتحول حصرياً في الاتجاه الخطأ، لصالح أبناء سادتنا وكبرائنا من جنرالات الجيش والشرطة والقضاة والدبلوماسيين والإعلاميين وأساتذة الجامعات المقربين وأولاد الأكابر من رجال المال والأعمال من سكان القاهرة، ليقتصر مصير ابن الفلاح أن يعمل سائق توكتوك أو عربة خضار.
5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
رضا حمودة (مصر)
رضا حمودة (مصر)