علمانيون خانوا مبادئ الديمقراطية

14 يونيو 2016
+ الخط -
أثبت الإسلاميون، وعلى الرغم من كل ماجرى لهم، وعلى الرغم من أخطائهم أيضاً، أنهم أكثر احتراماً والتزاماً بمبادئ الديمقراطية وآلياتها على مدى أكثر من خمس سنوات من الربيع العربي المنكوب، والذي حوّلته أنظمة عسكرية فرعونية عميقة إلى خريف دامٍ. حتى قبل انطلاق شرارة هذا الربيع العربي، كان الإسلاميون في مصر وتونس والأردن والكويت والمغرب وفلسطين ممن خاضوا غمار الديمقراطية فعلياً هم أكثر رصانةً وانفتاحاً على الآخر المعارض، والأكثر قدرة على الاحتواء واحتضان المخالفين.
لا يحترم العلمانيون والليبراليون في بلادنا إلا الديمقراطية التي تأتي بهم إلى السلطة، على الرغم من أن الديمقراطية علمانية المولد والمنشأ، أي أنها اختراع غربي علماني، إلا أنهم أول من خرجوا عليها، فاخترعوا ديمقراطيةً على المقاس، وحسب الهوى، دخيلة على المفهوم الأصلي للمصطلح، لخدمة مصالحهم الشخصية، وتفضح مدى التناقض والازدواجية الواضحة في ما يؤمنون به، وما يمارسونه على أرض الواقع من تدليس وكذب على الجماهير، عبر استخدام وعبارات ومصطلحات تدغدغ المشاعر في ظاهرها، لكنها تُزيف الوعي الجمعي في باطنها.
أوهمنا هؤلاء العلمانيون، وروجوا أكاذيب بأن الديمقراطية توافقية وتشاركية، وما أنزل الله بها من سلطان، ولم تتعارف عليها ديمقراطيات غربية أو شمالية كانت أو جنوبية، لكنها شرقية أوسطية عربية ديكتاتورية الأصل، وغير قابلة للتصدير لأنها بضاعة فاسدة مسمومة، تُزيّف العقول وتُشوه الذاكرة السويّة.
الديمقراطية في كل بلاد الدنيا هي حكم الأغلبية بالإرادة الشعبية عبر الصناديق، فمن جاء بالصناديق الحرة الشفافة المباشرة النزيهة يحكم بمقتضاها، بما تحدده آليات الدستور والقانون، المتفق عليه شعبياً. وعليه، لا حديث عن توافق أو تشارك اللهم إلا إذا أراد ذلك الطرف أو الحزب الفائز بالأغلبية، فالحرية الكاملة متروكة له إن أراد الاستحواذ على الأغلبية والمناصب أو المقاعد حسب الكتلة التصويتية التي حصل عليها، أو أن يتشارك مع غيره في الحكم.
في أعتى الديمقراطيات الغربية، يشكل الحزب الفائز في الانتخابات، والحائز على ثقة الناخبين الحكومة، من دون أن يجرؤ أحد من خصومه السياسيين على مطالبته بضرورة المشاركة، لا المغالبة التي لا توجد سوى في قاموس التيارات العلمانية الخاسرة لأي استحقاق ديمقراطي فقط، فالدستور الأميركي ينص صراحةً، ومن دون أي مواربة، على أن الرئيس لا يعين غير من حزبه، ومن حقه تعيين الآلاف من جماعته الحزبية في مناصب حسّاسة، وكذلك في بقية دساتير العالم الحر وديمقراطياته.
الديمقراطية، كما يفهمها أرجوزات العلمانية والليبرالية واليسارية والقومية والناصرية (إلا من رحم ربك من بعض الأقلية) هي إقصاء الآخر تماماً، والإجهاز عليه بالضربة القاضية إذا حاز على الأغلبية، وإن حصل خصومهم الإسلاميون تحديداً على الأغلبية، فنسمع كلاماً آخر عن الديمقراطية التشاركية التوافقية، والتحذير من الهيمنة والاستحواذ والأخونة، وما إلى ذلك من مصطلحاتٍ تسميم الذاكرة وتزييف الحقائق، ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم التي تأتي بأمثال هؤلاء الإسلاميين، كما قال الإعلامي العلماني عمرو أديب، وأنهم على استعداد (أي العلمانيين )على حد قوله (يجيبوا عاليها واطيها) بالمعنى المصري الدارج، أو يهدموا المعبد على من فيه في حالة عودة الإسلاميين إلى الحكم مرة أخرى.
المسألة بنظر تلك الجوقة العلمانية الليبرالية وجودية باختصار، إما هم أو الإسلاميون، وإن شئت فقل الإسلام ديناً شاملاً لكل مناحي الحياة، وما عدا ذلك لا قيمة له، حتى لو كان الوطن هو الخاسر الأكبر، وحتى لو تعاونوا مع العسكر الذين هتفوا يوماً ما بسقوطهم، فأثبت الواقع العملي أنها ليست سوى تكتيكات خادعة، لكسب الوقت وتضليل متفق عليه للرأي العام، حيث المصلحة واحدة في إقصاء الإسلام من على وجه الأرض، لتسير قافلة الفساد وشبكة المصالح عبر التزاوج بين السلطة والثروة، وعاشت مصر والبلدان العربية عسكريةً علمانيةً يسارية قومية..إلخ، المهم ألاّ تكون أبداً إسلامية.
5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
رضا حمودة (مصر)
رضا حمودة (مصر)