مصر... الطلبة يستغنون عن المدارس ويذهبون إلى "السناتر"

16 نوفمبر 2017
توفير الوقت الضائع بطابور المدرسة أحد أسباب تفضيل "السناتر"(Getty)
+ الخط -
في السنوات العشر الأخيرة، تطورت ظاهرة الدروس الخصوصية المنزلية، إلى مراكز وتجمعات للدروس الجماعية، حيث يقوم أحد الأشخاص (غالبًا من رجال الأعمال غير العاملين في مجال التعليم)، باستئجار أو تخصيص قاعات كبرى، وتجهيزها بما يلزم، وعمل الدعاية اللازمة لجذب الطلاب لأخذ الدروس الخصوصية في المواد التعليمية، بعد الاتفاق مع المشاهير من المدرسين، نظير مقابل مادي معقول، بحيث يتقاسم صاحب "السنتر" الدخل مع المدرس، بعد خصم مستحقات المكان من كهرباء، ماء، مقاعد، وجميع الأدوات اللازمة.

وتفتح هذه السناتر أبوابها للحجز، قبل بدء العام الدراسي بشهر تقريبًا، وتبدأ الحصص والمحاضرات قبل بدء الموسم الدراسي بأسبوعين على الأقل، حيث تتيح للطلاب أفضل وأشهر المدرسين، وتسع القاعة في الغالب بين 40– 200 طالب، بحسب المادة والمدرس والسنة الدراسية، ونوع الحصة (عامة أم خاصة)، فضلاً عن سعر الحصة.

ويفضل الطلاب؛ خاصة في الشهادات، وبصفة خاصة طلاب الشهادة الثانوية، "السناتر" على المدارس، لعدة أسباب، منها: توفير الوقت المستهلك يوميًا في الذهاب والعودة إلى المدرسة، في ظل حالة الزحام الشديدة، التي تعاني منها المدن في مصر، وخاصة القاهرة والجيزة، كما أن السناتر توفر لهم أفضل وأقوى المدرسين في كل المواد، إضافة إلى توفير الوقت الذي يقضيه الطلاب في طوابير المدرسة، وفي حصص لا تضاف إلى المجموع (التربية الدينية/ التربية الفنية/ التربية الرياضية/ التربية القومية/... إلخ)، بحيث قد لا يكون في الجدول اليومي أكثر من حصتين من المواد التي تضاف للمجموع (اللغات/ الرياضيات/ العلوم/... ).


ويقبل الطلاب على السناتر أيضا بسبب قربها من البيوت، وانتشارها بكثرة في المناطق الشعبية المكتظة بالسكان، وكذلك حالة التنافس التي يحدثها المدرس بين الطلاب داخل قاعة الدرس، كما أن "السنتر" يوفر للطالب مذكرة مختصرة ومركزة بأهم ما في الدرس، مما يرحمه من كتاب المدرسة الذي يعج بالكثير من الصفحات، التي تسهب في شرح المادة، بطريقة تفقد الطالب القدرة على التركيز أو التحصيل.

ومما رجح كفة المراكز التعليمية على الدروس الخصوصية في المنازل كذلك، أن المدرس المشهور لم يعد يفضل الذهاب للبيوت لشرح حصة لطالب أو اثنين، بينما لو أمضى الوقت ذاته في "سنتر" فإنه سيحصل على 20 ضعفاً لما سيحصل عليه من حصة خاصة في منزل واحد، فضلا عن أن "السنتر" به تكييف ووجبة غذائية ومياه معدنية مثلجة، ..إلخ، فضلاً عن الشهرة التي يحققها في السنتر من خلال الدعاية المكثفة التي يتولاها صاحب السنتر، والذي يخصص له في الغالب استراحة وسكرتيراً خاصاً به.
وفي إطار تطور مراكز الدروس الخصوصية، تطرح السناتر في مصر، مجموعات خاصة، لا يزيد عدد الطلاب فيها على 10 طلاب، يدفع فيها الطالب ضعف ما يدفعه في المجموعات الموسعة، فضلاً عن أن بعض السناتر رفعت أسعار المواد هذا العام، نظرًا للتغيرات التي حدثت في أسعار السلع والخدمات في مصر، بعد قرار تعويم الجنيه، والذي رفع الأسعار عامة لنسب تتراوح بين 50 – 100%، مما نتج عنه رفع أسعار الكهرباء والماء، وهو ما دفع السناتر بدورها لرفع أسعار الحصص لجميع المواد.


ويشير الخبراء، إلى أن سوء وضع المدرسين في الجداول الحكومية إذا ما قورنت بمن هم أقل منهم في المؤهل التعليمى، خاصة العاملين في قطاع البترول، وشركات الكهرباء وما شابهها، الذين تتجاوز رواتبهم 6 آلاف جنيه شهري، دفع المدرسين إلى العمل في "السناتر"، والتركيز طوال الوقت على العمل بالمراكز التعليمية، رغبة في الحصول على راتب كبير يكفيهم لمواجهة أعباء الحياة، في ظل موجة رفع الأسعار التي اجتاحت جميع السلع والخدمات، خاصة وأن وزارة التربية والتعليم لا توفر حياةً كريمة للمعلمين.

وفشلت وزارة التربية والتعليم، في مكافحة الظاهرة، رغم تهديداتها لأصحاب "السناتر"، بتغليظ العقوبة ورفع قيمة الغرامات، إضافة إلى رفع رسوم إعادة القيد للطلاب المتغيبين، وتحديد 10 درجات من درجة المادة للحضور والسلوك، مرورًا بتفعيل الضبطية القضائية، والتنسيق مع المحافظين لشن حملات على تلك المراكز لإغلاقها.

وتقول مصادر مسؤولة بديوان عام وزارة التربية والتعليم؛ إن الاتجاه العام لدى القيادات الكبرى لا يسعى لمواجهة الأزمة، لأن عددًا منهم ملاك أصليون لكبرى تلك المراكز، على مستوى الجمهورية؛ مشيرين إلى أن عددًا كبيرًا من المعلمين الأوائل، والمخول لهم وضع الامتحانات، هم أصحاب مراكز أو شركاء فيها، وهو ما كشفته التحقيقات في واقعة تسريب امتحانات اللغة العربية للشهادة الثانوية.

ويقدر خبراء اقتصاديون، عدد مراكز التعليم الخاصة في مصر، بنحو 12 ألف مركز، تحقق مكاسب شهرية من وراء هذا البيزنيس، تصل إلى أكثر من 15 مليار جنيه، مقابل 11 مليار جنيه هي ميزانية الحكومة المخصصة للإنفاق على التعليم؛ مشيرين إلى أن عدد المدرسين الذين يعملون في المراكز التعليمية بمصر، تجاوز الـ10 آلاف مدرس.

ويقع نشاط هذه المراكز، خارج نطاق الاقتصاد المنظور، إذ إنها غير مدرجة في سجلات مصلحة الضرائب، ولا تخضع لرقابة وزارة التعليم، فيما تشير دراسات إلى أن أرباح المدرس الواحد، خلال العام الدراسى، من السناتر تبلغ مليون جنيه، وأن دخل بعض المراكز يصل إلى أكثر من 5 ملايين جنيه في الشهر، كما يصل المكسب إلى 180 ألف جنيه يوميًا، أثناء فترة الامتحانات.

ويؤكد الخبراء، أن الأسرة المصرية تنفق أكثر من نصف دخلها الشهري على الدروس الخصوصية، سواء في البيوت، أو في السناتر، بإجمالي 40 مليون جنيه سنويًا، وفي ذلك إشارة واضحة إلى استغناء الطلاب عن المدرسة بشكل شبه نهائي.

ويبلغ متوسط إيجار المركز التعليمي 24 ألف جنيه شهريًا، وذلك في المناطق المميزة، وعلى الشوارع الرئيسية، فيما تتراوح أسعار إيجار الشقق الكبيرة في الأماكن الشعبية بين 5 و6 آلاف جنيه شهريًا، وفي الأماكن الريفية ما بين 2 و3 آلاف جنيه.

المساهمون