مصالحة جنوب السودان... مكاسب اقتصادية تنتظر الحصاد

25 فبراير 2020
توقعات بزيادة إنتاج نفط جنوب السودان (فرانس برس)
+ الخط -

 

السلام أصبح أمرا واقعا في دولة جنوب السودان بعد توقيع اتفاق المصالحة بين الفرقاء هناك، ما دفع الأوساط الاقتصادية إلى التفاؤل بحصد مكاسب في مختلف القطاعات خلال الفترة المقبلة.

وعاش جنوب السودان أوضاعا مأساوية طوال السنوات الماضية إذ عانى المواطنون من ارتفاع التضخم وتهاوي العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي، إلى مستويات قياسية.

وفي ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية أعلنت منظمة الأغذية والزراعة، واليونيسف، وبرنامج الغذاء العالمي، في وقت سابق، عن تدهور وضع الأمن الغذائي بشكل كبير في البلاد، وقالوا إن حوالي 6.5 ملايين شخص في جنوب السودان، أي أكثر من نصف السكان، قد يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في موسم الجوع من مايو/ أيار إلى يوليو/ تموز المقبلين. وجاء في تقرير دولي أن 1.3 مليون طفل سيعانون من سوء التغذية الحاد في عام 2020.

وكان رئيس اللجنة الاقتصادية في برلمان دولة جنوب السودان، قوج مكواج، قد قال في تصريحات مؤخرا بأنه عادة بدايات الدول الجديدة ليست سهلة في ظل اعتماد الدولة الوليدة على النفط بنسبة 90 بالمائة دون موارد أخرى، فالطبيعي أن ترتفع أسعار السلع والخدمات نتيجة لعدم الاستقرار خاصة في مناطق إنتاج النفط، مؤكدا شح العملة واستغلال بعض التجار للظروف المعيشية.

وفي هذا السياق، يقول الخبير الاستراتيجي بدولة جنوب السودان، زكريا نمر، لـ"العربي الجديد" إن عدم وجود قانون للمصارف بدولة الجنوب جعل الدولار يرتفع إلى مستويات كبيرة، وصلت إلى 240 جنيها جنوبيا، كما أن المستغل من الموارد 30 بالمائة فقط وهنالك آبار لم تستغل بسبب الحرب.

وأضاف نمر أن الدولة لم تفكر في مشروع بناء، رغم أن البلاد تذخر بالمعادن والماشية دون وجود خطة زراعية واستغلال أمثل للمياه.

وأكد أن السودان وجنوب السودان كيان واحد، مشيرا إلى أن عدد السكان في الحدود المشتركة بينهما حوالي 7 ملايين مواطن تجمعهم الموارد التي تحتاج إلى استقرار.

وأوضح أن مشكلة التنمية بدولة الجنوب ناتجة عن خلل في البنية في ظل عدم وجود نظام اقتصادي واضح، قائلا: نحن الآن نريد صياغة اتفاقات النفط من جديد، وإذا وجدنا مشروعا اقتصاديا واحدا فسوف تستفيد منه الدولتين.

واقترح نمر قيام مؤتمر اقتصادي يجمع الدولتين للخروج من أزماتهما وتحرير الاقتصاد ليستفيد القطاع الخاص من ذلك. وطالب بمشروع مصرفي بين البلدين لمحاربة السوق.

وأشار إلى هيمنة الجوار الأفريقي على اقتصاد الجنوب رغم الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها الدولة.

وتستوعب الأسواق في جنوب السودان، على الرغم من معاناة اقتصادها، آلاف الأشخاص الباحثين عن العمل الوافدين من دول الجوار، كما تجذب المصدرين من تلك الدول، خاصة من الأطراف الشرقية والغربية والجنوبية، مستغلين في ذلك ضعف الاقتصاد الجنوبي الذي تنقصه الخبرات ومقومات تسمح له بإنتاج محلي من السلع والمنتجات يمكنه من تحقيق الاكتفاء الذاتي ويعوض الخسائر التي لحقت به عقب إغلاق الحدود مع السودان منذ الانفصال في 2011.

وعزز غلق الحدود بين دولتي السودان وجنوب السودان، من اعتماد المستوردين والتجار على ميناء مومبسا الكيني الذي يورد لأسواق جوبا المنتجات، ليصبح بذلك المنفذ الوحيد لجنوب السودان نحو الخارج حيث إنها دولة حبيسة بلا منافذ خارجية أو موانئ، بينما تضخ أوغندا منتجاتها المحلية من الفاكهة والخضراوات التي تنتجها بغزارة إلى جنوب السودان.

وأظهرت الإحصاءات الرسمية الصادرة في أوغندا عام 2012 أن ما يتجاوز نسبة 45% من صادراتها للخارج يذهب إلى جنوب السودان.

ويرى مختصون أن التعاون الاقتصادي بين البلدين يعد ضرورة اقتصادية وسياسية ملحة بعد إجراء المصالحة، ويأتي النفط من أهم القطاعات لتعزيز العلاقات بين البلدين.

الخبير الجنوبي دينق ليل، قال لـ"العربي الجديد" إنه بمجرد الإعلان على اتفاق المصالحة تراجع الدولار، مشيرا إلى أن السودان هو المستفيد الأول من الاتفاق إذ ستصبح التجارة مقننة عكس ما كان يحدث في السابق من تهريب للبضائع.

وبعد فتح المعابر سوف تستفيد الدولتان بشرط تعويم الجنيه بينهما، حسب ليل، الذي قال إن السلع الاستهلاكية السودانية سوف تنافس في أسواق جوبا أكثر من السلع الأفريقية، لذا فإن المستقبل للسودان. وطالب ليل بكونفدرالية اقتصادية بحيث يكون النفط هو العامل المشترك بين البلدين في هذا المحور.

ويقول ليل إن هنالك مشاريع مشتركة ونسعى إلى تنفيذ صناعات بخبرة سودانية حتى في التجارة الدولية والموانئ، خاصة وأن الجنوب ليس لديه أي منفذ بحري، ولكن المستقبل يتطلب ربطا عبر السكك الحديد بين البلدين، لأننا ننتج ذهبا ومعادن وفحما وثروة حيوانية وغابية ونسعى إلى تصديرها، ولذا فإن السودان هو الأقرب إلينا. وشدّد الخبير الجنوبي على أهمية النفط في تعزيز التعاون بين البلدين.

وكان السودان وجنوب السودان اتفقا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على تمديد اتفاق يسمح للجنوب بتصدير النفط عبر موانئ الشمال حتى 2022. ووقّع البلدان الاتفاق في 2012، وجرى تمديده حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2019.

ويحرص السودان، الذي خسر معظم ثروته النفطية مع انفصال الجنوب في 2011، على مواصلة الانتفاع من تصدير نفط الجنوب عبر خطوط أنابيب وموانئ على البحر الأحمر لمساعدة اقتصاده على التعافي. ويعتمد جنوب السودان على صادرات النفط المتدفق شمالاً لتمويل ميزانيته.

وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوداني، الفاتح عثمان، لـ"العربي الجديد" إن إنهاء الصراع مكسب كبير للسودان لأنه يفتح الباب على مصراعيه لتطوير حقول نفط جنوب السودان وزيادة الإنتاج والصادر عبر الموانئ السودانية مما سيكون له دور إيجابي كبير في الاقتصاد السوداني وسينعش تجارة الحدود بين الدولتين، ولكن يصعب الحديث الآن عن مشروعات مشتركة غير النفط. 


ويواجه السودان أزمة اقتصادية طاحنة، ويراهن على التداعيات الإيجابية المترتبة على المصالحة، التي ستساهم فى وقف تدهور سعر العملة المحلية بالسوق السوداء إذ وصلت إلى أكثر من 100 جنيه مقابل الدولار، حسب مراقبين.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي بجنوب السودان، شان عبد الله، لـ"العربي الجديد" إن عملية السلام ستؤثر إيجابا على الدولتين. وتوقع فتح المعابر لتنشيط التجارة التي بدورها ستؤثر على العملة المحلية وترفع قيمتها، مؤكدا أن السلام هو المخرج الحقيقي للأزمات لاستغلال الثروات وتحسين الأوضاع الاقتصادية.

الخبيرة في شؤون جنوب السودان، إنصاف العوض، قالت لـ"العربي الجديد" إن الاتفاق سياسي وأمنى في المقام الأول، مؤكدة أن السلام بدولة الجنوب يعتبر أحد المطالب الأميركية لرفع اسم الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وأضافت العوض أن "الهدف الاقتصادي يأتي في مرتبة تالية لرفع العقوبات عن الدولتين، وفي حال إيفاء واشنطن بتعهداتها وتم التطبيع سيكون لذلك آثار اقتصادية كبيرة تسمح بدخول شركات أميركية للدولتين اللتين ستكونان مؤهلتين للحصول على أموال المانحين.

المساهمون