مشروع بايدن يطرق باب العراق
لم يكن نائب الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، ليتنبأ بإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام، وتعيين خليفة لها، هو أبو بكر البغدادي، عندما كتب مقالاً مطولاً مع زميله في مجلس العلاقات الخارجية، ليزلي غالوب، في 2006، مقترحاً ثلاثة تقسيمات فيدرالية قابلة للحياة في العراق، على أساس أقاليم كرديّة وسنيّة وشيعيّة، وتجمعها مصالح مشتركة في السياسة الخارجية والدفاع، عبر حكومة مركزية مسؤولة عن مدخول النفط وحماية الحدود والأمور الخارجية.
استعادة اقتراح بايدن، اليوم، في النقاشات في واشنطن فرضه تطور الأحداث عبر سيطرة "داعش" على الموصل ومناطق عراقية أجبرت الجيش العراقي والقوى الأمنية العراقية على إخلاء مواقعها، والتخلي عن عتادها الذي أصبح بين يدي "داعش" من سيارات عسكرية وأسلحة، إضافة إلى أموال نقدية.
عندما كتب بايدن مقالته في 2006، لم يكن العنف قد وصل إلى هذا الحد، كما أن الرئيس السابق، جورج دبليو بوش، كان لا يزال في منتصف ولايته الثانية، والجنود الأميركيون كانوا موجودين على الأرض، إلا أن بايدن الذي شرح في مقالته اقتراح الفيدراليات الثلاث، انطلق من أن بوش لا يملك استراتيجية للربح في العراق، وهدفه الوحيد عدم هزيمة الأميركيين، ليترك هذا المشكل لمن بعده في الرئاسة. وصف بايدن الواقع العراقي، آنذاك، بقوله "طالما هناك قوات أميركية في العراق، لن ينجح الثوار، ولا الأميركيون، وسيبقى الخطر الأكبر هو العنف بين السنة والشيعة، وحكومة العراق لن تستطيع إيقاف هذا التدهور"، وحذّر من حربٍ أهليةٍ تتحول حرباً إقليمية.
ويرتكز محللون أميركيون، اليوم، على مقالة بايدن تلك، في مقاربتهم الوضع في العراق، وقد دعا إلى تأسيس ثلاثة أقاليم، بحكم ذاتي مع حكومة مركزية في بغداد، مع إعطاء حوافز للسنة، لا يمكنهم رفضها لأجل القبول في الدخول بهذا المشروع، منها إعطاؤهم 20% من مدخول البلاد، كون مناطقهم لا يتوفر فيها النفط وحرية التحكم بإقليمهم، أما الأكراد فلن يتخلوا عن الحكم الذاتي الذي يحوزونه فعلياً منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، والشيعة لن يستطيعوا الانتصار على انتفاضة سنية، مشيراً إلى أن تطبيق اللامركزية ليس أمراً صعباً، فالدستور العراقي يسمح بتكوين فيدرالي لمقاطعاتٍ، لتصبح حكومات إقليمية، معتبراً أن كل مجموعة تدعم الفيدرالية، ولو كان هذا خيارها الأخير.
يطل مشروع بايدن مجدداً، في وقت فرضت التطورات الميدانية تقسيماتٍ شبه واقعية على الأرض، ويرى مراقبون عديدون أنه يستحق الدراسة الفعلية، ولو أن الهواجس التقسيمية المرافقة دائماً للمشاريع الفيدرالية تتصاعد، متخوفةً من تصفيات طائفية، وهو ما قال عنه بايدن، يومها، في مقاله "إنه يحصل فعلياً، وليس فقط بسبب الفيدرالية"، وهو دعا إلى الإبقاء على قوة صغيرة أميركية، وإنما فاعلة، لمواجهة جيران العراق وردعهم من القيام بأي عمل ضده، كما طالب بعقد مؤتمر إقليمي، تحت رعاية الأمم المتحدة لمساعدة العراق، واحترام حدوده، وصيغة نظامه الفيدرالي، وتشكيل مجموعة للاتصال بجيران العراق، لتشجيعهم على احترام هذه الاتفاقية.
معروف أن بايدن من المقربين للرئيس الأميركي، باراك أوباما، ومعروفةٌ، أيضاً، حالة الإرباك التي فرضتها تطورات العراق على الإدارة الأميركية، في التعاطي مع المشهد الجديد، في ظل تخوفٍ من القيام بخطواتٍ، تعيد توريط الولايات المتحدة في المستنقع العراقي تدريجياً، وهو ما لا يريده الرئيس أوباما في هذه المرحلة من قراره بالعودة والابتعاد عن وجود جنود على الأرض، ولو أنه أرسل مستشارين للمساعدة على فهم الواقع على الأرض، وتقديم العون للجيش العراقي، وهو، أيضاً، ما فرض التريث في توجيه الضربات الجوية، بانتظار قراءة الوقائع التي سيقدمها المستشارون في تقريرهم.
فرض هذا المشهد العراقي الجديد استعادة للمشاريع والخطوات المقترحة من فريق عمل الرئيس الأميركي، ومنهم المشروع الفيدرالي لصديقه بايدن، الذي، وإن لم يتم الأخذ به في المدى القريب، إلا أنه سيكون حتماً موضوعاً للبحث على طاولة أوباما، ولو على المدى البعيد.