إقبال على أسهم الشركات الأميركية المفلسة... ظاهرة حيرت المستثمرين

واشنطن
90E9464D-94FD-48BA-A61C-B7EB564A1860
شريف عثمان
اقتصادي ومصرفي مصري، خبرة تجاوزت ثلاثة عقود من العمل في مجالات الخزانة والاستثمار والتمويل، داخل بنوك ومؤسسات مالية، في مصر وأميركا، يكتب عن الاقتصاد والسياسات النقدية والتضخم والديون والبطالة والتجارة وأسواق الأسهم والسندات.
11 يونيو 2020
5D8475DA-D183-46AB-9341-9D5226B88354
+ الخط -



على الرغم من تعثر عودة النشاط الاقتصادي إلى الولايات المتحدة بقوة، بعد أكثر من شهرين من الإغلاق الكبير الذي فرضه ظهور وباء كوفيد 19 وجهود الحكومة الهادفة للحد من انتشاره، عوضت أغلب الأسهم الأميركية خسائرها لهذا العام، وانطلق بعضها ليحقق مستويات قياسية جديدة، وقف أمامها أغلب المحللين المتخصصين مندهشين، بينما استغلها آلاف المستثمرين الصغار، الذين استطاعوا اللحاق بالقطار في اللحظات المناسبة. 
وبعد تسجيلها مستويات كبيرة في الأسبوع الثالث من فبراير/ شباط الماضي، تسبب اندلاع أزمة الوباء، التي تعد الولايات المتحدة أكبر ضحاياها بأكثر من 114 ألف حالة وفاة، وأكثر من مليوني حالة إصابة، في تراجع مؤشرات الأسهم الرئيسية بأكثر من ثلاثين في المائة من قيمتها، وهو ما تسبب في حالة هلع بالأسواق، واستدعى تدخل بنك الاحتياط الفيدرالي، ليطلق قذائفه بكل قوة، في مختلف قطاعات سوق المال، من أجل احتواء الأزمة.

ورغم أن أغلب الأسماء الشهيرة في عالم إدارة الاستثمارات، ومنها الاقتصادي المصري الأميركي محمد العريان، والملياردير وارين بافيت، أكدت وقتها أن الأسهم الأميركية ستدخل نفقاً مظلماً، يمتد لفترة تتراوح بين عام وعام ونصف العام في أحسن الأحوال، فوجئ الجميع بتعويض نسبة كبيرة من الأسهم الأميركية قبل مرور 80 يوماً على أضعف مراحل الأزمة، والشيء المدهش هو وقوف صغار المستثمرين وراء عودة "الانتصارات"، كما تشير الأرقام.

لم يصدق صغار المستثمرين من جيل الألفية نصائح الكبار، ولم ترعبهم حالات الإفلاس التي أُعلِن عنها، أو التي توقعها المتخصصون، حتى أن تطبيق روبين هود، الذي يتم تنزيله على أجهزة الهواتف الذكية، ويسمح بالتعامل بيعاً وشراء في الأسهم وصناديق الاستثمار، وغيرها من منتجات أسواق المال، بسهولة ملحوظة، سجل شراء 96 ألف شخص أسهم شركة تأجير السيارات "هيرتز"، التي أشهرت إفلاسها قبل أسابيع قليلة، للمرة الأولى من خلال التطبيق، خلال الأسبوع الماضي.
ولم تكن "هيرتز" وحدها التي اجتذبت المستثمرين بعد إعلان إفلاسها وطلبها الحماية من الدائنين، حيث استحوذت أيضاً شركة "وايتنغ بتروليوم"، التي أشهرت إفلاسها أيضاً الشهر الماضي، على اهتمام المستثمرين، حيث اشترى أسهمها، من خلال تطبيق روبين هود وحده، أكثر من عشرة آلاف من المستثمرين الجدد، في أول أيام الأسبوع.

وفي حين شهد سهم "هيرتز" ارتفاعاً بأكثر من 575% خلال تعاملات الأسبوع الأخير، وبلغ متوسط حجم التعامل اليومي عليه في شهر يونيو/ حزيران الجاري ما يقرب من مائتي مليون سهم، اكتفى سهم "وايتنغ بتروليوم" بمكاسب بنسبة 300% خلال نفس الأسبوع.

أما شركة "تشيزابيك" العاملة بمجال الطاقة، والتي خسرت ما يقرب من 99% من قيمتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، ويتوقع المستثمرون إشهار إفلاسها خلال الأيام القليلة القادمة، فقد ارتفعت بنسبة تتجاوز 450% خلال الأسبوع الأخير أيضاً.

واعتبر كريستوفر غريسانتي، مسؤول استراتيجيات الأسهم في شركة ماي لإدارة الاستثمار، أن الفضل في ارتفاع أسعار أسهم هذه الشركات يرجع بالأساس إلى المشترين من الأفراد، مؤكداً أن أيا من مديري الاستثمار بالشركات الكبرى لا يمكنه الاقتراب منها في الظروف الحالية. وقال غريسانتي: "إنه أمر شديد المخاطرة، ويشبه التقاط سكين تسقط من عل".

ولم يقتصر تكالب المستثمرين على الشركات المفلسة، حيث شهدت شركات التكنولوجيا التي قدمت خدمات التعامل عن بعد، وأقبل عليها المستخدمون خلال فترة حبسهم بمنازلهم، فأُطلِق عليها اسم "شركات البقاء بالمنزل"، انتعاشاً كبيراً، لم يتوقعه أشد المتعاملين تفاؤلاً.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، تضاعفت قيمة سهم شركة "زووم"، التي تسمح بعقد الاجتماعات الافتراضية، وارتفع سهما فيسبوك وعملاق مبيعات التجزئة أمازون بأكثر من 40%، بينما بلغت مكاسب سهم شركة تشج، المتخصصة في تقديم خدمات التعليم عن بعد، أكثر من خمسين في المائة. 

وبخلاف أسهم الشركات المفلسة، وشركات البقاء بالمنزل، استغلت شركات كثيرة قرارات تخفيف أوامر البقاء بالمنزل، وتوجُه أغلب الحكومات نحو إعادة فتح الاقتصاد في أسرع وقت ممكن، لتقوم ببيع أسهمها لأول مرة في البورصة، للحصول على السيولة المالية التي تحتاج إليها، بعد توقف شبه تام لتلك العمليات خلال فترة انتعاش الفيروس.

وخلال الأسبوعين الماضيين فقط، طرحت أكثر من عشر شركات أسهمها للبيع، فارتفعت قيمة أسهمها بصورة مبالغ فيها في الكثير من الأحيان، لتؤكد استعداد المستثمرين لتحمل المزيد من المخاطر، وتعكس في نفس الوقت النظرة الإيجابية لأغلبهم في ما يخص مستقبل أسعار تلك الأسهم.

والأسبوع الماضي، باعت شركة الأبحاث والمعلومات "زووم إنفو" ما تقترب قيمته من مليار دولار من أسهم الشركة، بسعر 22 دولاراً للسهم، لتتضاعف قيمته في أول يومي تعامل له، وليصبح مؤسسا الشركة، اللذان يحتفظان معاً بنسبة 17% من أسهمها، أحدث المنضمين لقائمة المليارديرات في الولايات المتحدة.

وتكرر المشهد مع شركة "شيفت فور بايمنتس" للمدفوعات الإلكترونية، التي طرحت أسهمها في البورصة بسعر 21 دولاراً للسهم، ليصل في أول أيام التعامل عليه إلى أكثر من 37 دولاراً للسهم، بنسبة ارتفاع تتجاوز 75% في يومٍ واحد.

أما شركة "فيرووم"، التي تبيع السيارات من خلال تطبيقات على الهواتف الذكية أو من خلال الموقع على الإنترنت، وتقوم بتوصيلها إلى المنزل، فقد طرحت أسهمها يوم الثلاثاء بسعر 17 دولاراً، لتصل قيمته لأكثر من 49 دولاراً للسهم، بعد تداول أكثر من 16 مليون سهم، في أول يوم له بالبورصة.

دلالات

ذات صلة

الصورة
صورة إبداعية عن الكساد/ العربي الجديد

اقتصاد

استعاد العالم هذه الأيام شبح الكساد الكبير (أو العظيم) الذي ضرب العالم في 1929 لمدة 10 سنوات، وخلّف انهيارات في "وول ستريت" وأسواق المال الكبرى، ومعدلات بطالة وفقرٍ عالية، وحالات إفلاس واسعة وسقوط اقتصادات ومؤسسات وشركات في بئر الانكماش والركود.
الصورة
كارلوس غصن (العربي الجديد)

اقتصاد

منذ هروب رجل الأعمال الفرنسي البرازيلي اللبناني الأصل، كارلوس غصن، الذي كان تحت الإقامة الجبرية بانتظار محاكمته في اليابان، ليلة 29 -30 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، تحيك وسائل الإعلام، نقلًا عن مصادر ومعلومات خاصة، عدّة سيناريوهات لفكّ لغز عملية الفرار.
الصورة
سهم "تسلا" خسر نحو ثلث قيمته هذا العام (Getty)

اقتصاد

تحقق ثورة قطاع السيارات الكهربائية قفزات مهمة في السوق العالمية، لكن اقتحامها أسواق المال يبدو أقل صلابة، إذ مُنيت أسهم "تسلا" Tesla بخسارة بلغت نسبتها 30% منذ بداية العام الجاري، لكن "مُصيبة" الشركة الأميركية تبدو حاليًا فرصة ثمينة لمتصيّدي الأرباح.
الصورة
وول ستريت/ Getty

اقتصاد

تعافت الأسهم الأميركية والأوروبية الأربعاء، فيما لا تزال الأسواق عرضة للتهديد، لا سيما "وول ستريت"، مع تزايد التوتر التجاري بين بكين وواشنطن، والانقلاب في السياسة النقدية الأميركية من التيسير الكمي إلى التشديد النقدي وعوامل التجاذب المحتملة بين ترامب والحزب الديمقراطي.
المساهمون