مسلمو بورما.. الوجع الصامت

10 سبتمبر 2017
+ الخط -
ستصوّر لك الكاميرات بعض الجثث التي تطفو على المياه، وأخرى متفحمة لا تكاد تبرز فيها الملامح، وستضاف في آخر الفيديو صورة لامرأة تنتحب وتبكي قتلاها، ورضيعة تنام بسلام، حين حاولت الفرار من أرض لم تذق فيها طعم السلام، وفي الأخير صورة لطفلين يرقدان على الإسفلت في بركة دم قان. من ثم سينتهي هول الفيديو القصير الذي تشيب له الولدان وتقشعر له الأبدان، وينهي المعلّق الصحفي أن تهمة هؤلاء في لقاء هذا المصير المفجع، أنّهم أقلية مسلمة سلّمت بضعفها أمام أغلبية بوذية، ويعلّق بصوت آسف بأنّ هؤلاء هم مسلمو بورما، وبأنّ كثيرين منّا لا يعرف أنّ له إخوة في الدين بهذا الاسم.
صحيح، فكثيرون منّا لا يعرف عن مذابح بهذا الاسم والعنوان طالت، وما انفكت تطال، المسلمين، فأنا لم أعرف أنّ لنا إخوة في الدين بهذا الاسم إلا قبل سنتين، حين طلب مني زميل أن أشارك في التعريف بقضية مسلمي بورما. عندها شرقت بالدمع أمام فيديوهات تصوّر ذبح رجال من الوريد إلى الوريد، ومن ثم حرق جثثهم وآخر بعد الشهادة سلّم رقبته مغلوباً على أمره لآخر يمسك خنجراً بلا رحمة.
صحيح أنّ كثيرين لا يعرفون عن هذا المسلسل المروّع والتفاصيل التي أصبحت روتينية بتلك الأقلية المضطهدة، وكثيرون منا سيصمتون عن ما يحصل.
مؤكد أنّ من صمت عمّا حدث في كوسوفو من عدوان على المسلمين والشعب الألباني ومسلمي البوسنة والجزائر وكشمير ونيجيريا والفلبيين وأندونيسيا وفلسطين سيصمت عمّا يحصل. سينسى أو يتناسى فكرة أنّ الضحايا، مهما اختلفت جنسياتهم وأعراقهم، هم دائما جماعات مسلمة، وأنّ الغاية من هذه المذابح الفظيعة، الحرب المعلنة منذ القدم لإقتلاع الإسلام، وتصاعد موجات إيقاف انتشاره وتدفقه في كل بقعة، فهل دار الزمان دورته على حد قول مصطفى محمود، وأصبحنا على مشارف معركة الأحزاب مرة أخرى والمسلمون في خندق؟ وهل يجيء الله بجنوده إلا حينما نحتشد نحن بجنودنا؟
نحتشد فقط، ونضع اليد في اليد والقلب في القلب ونتقارب ونتساند ونتماسك ونجمع كلّ ما نملك من قوة ومال لنواجه به هذا الطوفان من البغضاء، لنواجه الأزمة القادمة، أزمة أن نكون أو لا نكون، وذلك أضعف الجهاد، كما يقول مصطفى محمود.
قضية مسلمي بورما قضية تاريخية، ويزداد جرحها غوراً إذا تجاهلنا طرحها، والحقيقة المحزنة أنّ قلّة قليلة من القنوات تأتي على نقل الوقائع، لذلك ليس غريباً أن يجهلها بعضنا، ويسكت عنها جلّنا، فمن غير قناة الجزيرة الإعلامية، والتي آر تي التركية، قد غطّى لحظة بلحظة حجم المصيبة والأذى الذي لحق بمستضعفي البورما أيام عيد الإضحى؟ أو لسنا الأمة الجسد التي اشتكى منها عضو، فتداعى لها سائر الجسد بالسهر والحمى؟ ألسنا الغيورين عن ديننا والساعين إلى نصرته، أم أنّنا فقط سنكتفي بأحمر الدم وملوحة الدمع؟
فلنع جيداً، أمام ما يحصل، أنّنا نقف أمام أشدّ المجازر فظاعة كما وصفت الأمم المتحدة، وإن لم نفزع ونتحد سيصيبنا الوهن ونغلب على أمرنا، فإذا ألهتنا مشكلاتنا وأنستنا همومنا، فلننظر إلى ذاك الوجع الصامت، ولندع لهم بالنصر العجائزي إن عجزنا نحن أن ننتصر لهم.
B837A30D-EB6A-42AF-A57F-17C6F016B14A
B837A30D-EB6A-42AF-A57F-17C6F016B14A
ماجدة العرامي (تونس)
ماجدة العرامي (تونس)