عن سياسة أميركا

29 سبتمبر 2017
+ الخط -
حين صرّح الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، علناً إنّ الولايات المتحدة تسعى إلى حماية الكيان الإسرائيلي استراتيجياً، وأنّها عازمة على تحقيق دولة يهودية محضة، كان واضحا أنّ سياسة واشنطن تعمل على تحويل ما يعرف بالصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع عربي عربي، فسارعت حينذاك إلى وضع مخططاتها العملاقة، عبر العمل على جر العرب إلى إرجاء الصراع العربي الإسرائيلي إلى وقت غير معلوم، والإسراع بإطفاء لهيب الإنقسامات الطائفية والسياسية التي أشعلتها في المنطقة.
لعل هذا كله وغيره لم يخف حين كشفت إدارة بوش مرة أنّ من الصفات الأساسية لحروب الزعيمة القطبية شموليتها، في إشارة إلى أن بلاده لا تعترف بحصر النزاعات في رقعة جغرافية بسيطة، فلا ريب أنّ المخطّط الصهيو أميركي في ضرب الوحدة العربية والتكتلات الإقليمية التي تعتبر سداً منيعاً أمام الحروب بالوكالة التي تجلبها، لا يبدأ إلا بتوّسع دائرة الحرب وتقسيم العالم إلى دويلات، على شكل دمى متحرّكة، ترقص على دبكة تختارها، فجهود الزعيمة القطبية، أميركا، منذ القدم تقوم على ضرب صميم الأوساط العربية وزعزعة ما تبقى من استقرار.
لكن هذه الخطة ليست إلا صورة نمطية لسياسة واشنطن التي تعوّدت أن تصنع الأزمات، ومن ثم تديرها وفقاً لمصالحها. أما اليوم وبعد تغيّر الأوضاع السياسية وموازين القوى الاقتصادية في المنطقة، وجدت أميركا نفسها ملزمة بترك الإستراتيجية القديمة (رفع وتيرة الإنقسامات الطائفية)، وصارت تعوّل على الإعلام نقطة أساسية في الخطط الحديثة لها،خصوصا أنها تؤمن بأنّ "المصالح لا تولد إلا من رحم الفوضى"، كما قالت وزيرة خارجيتها سابقاً، كوندوليزا رايس.
ما فعله الإعلام الدعائي الأميركي لتبرير الإعتداء المشين على العراق بالأمس، وصولا إلى تفشّي عوارض الورم الأميركي الخبيث اليوم، والذي يظهر بالتعويل على القنوات الإعلامية للعب الورقة الرابحة، وضرب الدول التي تتخذ الوحدة مبدأ لها (دول مجلس التعاون الخليجي)، والسعي إلى إبراز قطر دولة متمرّدة على سياسة دول الخليج، إضافة إلى عدم رضى الرئيس ترامب عن سياستها التي لا تخدمه، وهو المحافظ على معادلة أسلافه "في أن من ليس مع أميركا فهو ضدها".
معادلة تلتها نية صريحة في تعظيم دور "الكيان" استراتيجيا وتحقيق دولة يهودية محضة، ما يفيد بشكل كامل بأنّ من ليس مع أميركا في تحقيق نيتها فهو ضدها، وطبعا لن ترضى عنه حتى يتبع ملتها!
أصبح واضحاً أنّ سيناريو الأزمة مخطّط له مسبقاً، منذ بداية بث القنوات الإعلامية لنشر خبر مفبرك، وصولاً إلى التجاهل المفرط للبيانات التي تؤكد اختراق وكالة الأنباء القطرية. زد على ذلك الإصرار على نسب تصريحات مغلوطة لأمير قطر، والركض نحو ضخ التحليلات، وأخيرا حجب مواقع "الجزيرة" وغيرها. ولا يدفعنا ذلك سوى إلى الإقرار بصحة فرضية استغلال الإعلام لخدمة المعسكرات السياسية والمصالح وسقوطه في فخ التضليل وبث الفوضى.
إضعاف قطر استراتيجيا، وضربها اقتصاديا، بفرض الإمارات والسعودية والبحرين عليها صورة واضحة من صور الضعط عليها، ودفعها إلى مواجهة "لعبة الخيارات"، فإما تغيير سياستها الخارجية، خصوصا بعد مواقفها المشرّفة من الثورات العربية، وعدم تصنيفها جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.
أما الخيار الحاصل، وهو إيجاد خصومة عدائية بينها وبين دول التعاون الخليجي لفرض خناق إقليمي يهدّد اقتصادها. والأسف، كل الأسف هنا، أن يتحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع عربي عربي، بعد مباركة إسرائيل لما جد في تغريدة نشرها ‏السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن عبر "تويتر": "لا إسرائيل ضد العرب بعد اليوم، بل اسرائيل والعرب ضد الإرهاب".
B837A30D-EB6A-42AF-A57F-17C6F016B14A
B837A30D-EB6A-42AF-A57F-17C6F016B14A
ماجدة العرامي (تونس)
ماجدة العرامي (تونس)