مسرحيو المغرب الشباب: الخروج من بُرنس الدولة

25 اغسطس 2014
من عرض "ديالي" لفرقة أكواريوم
+ الخط -

يشهد المسرح المغربي، منذ بضع سنوات، نشوء جيل جديد من الفرق، تتميز عن سابقاتها التي كانت تنبني على نجومية الفنانين وصناعة الأسماء الكبيرة. هم مسرحيون شباب كسروا إطار العمل الهاوي والمشخصِن لإنتاجهم الفني، واجترحوا طرقاً مختلفة نحو عمل منتظم يتطلب الالتزام والتفرغ، رغبة منهم في إيصال أعمالهم إلى أوسع شريحة من المجتمع المغربي. غير أن أكثر ما يميز هذا الجيل، هو سعيه الدائم إلى الخروج من عباءة الدولة، لا سيما وزارة الثقافة، التي لم يعودوا مرتهنين لإمكاناتها.

لكن التصريحات الآتية من الوزارة تفيد بأنها وقفت مع هذا الجيل ودعمته، وبأنها تقوم بالدور المنوط بها لرعاية المسرح المغربي، مستدلة بالنتائج الطيبة التي تحققها المسرحيات المغربية في المهرجانات الدولية، وبأنها تبني المسارح من أجل توفير البنى المناسبة للحركة المسرحية الموجودة.

مدير الفنون في وزارة الثقافة المغربية، عبد الحق أفندي، قال في حديث إلى "العربي الجديد": "الوزارة تواكب هذا الجيل من المسرحيين الشباب، الذي أضفى دينامية جديدة على المسرح المغربي؛ وذلك عبر الدعم المباشر، أو دعم الترويج لها، أو بناء المرافق التي يتطلبها العمل الجاد". ويشير أفندي إلى أن هذا الدعم يجري تمريره من الوزارة إلى الفنانين الشباب عبر لجان مؤلفة ومنتقاة منهم.

ويعتبر أفندي، الذي يشرف على قضايا المسرح ضمن عمله في الوزارة، الجيل الجديد، بأنه الجيل الذي أنتجه المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، المؤسس سنة 1986. ويلفت مدير الفنون في الوزارة إلى أن عدد الخريجين في هذا المعهد بلغ 300 مسرحيّ، أسهموا في تأسيس ديناميات مختلفة بانفتاحهم على بقية الأشكال الإبداعية المرتبطة، كالتلفزيون والسينما، وأفادوا من التجارب العالمية المختلفة، بعكس الجيل السابق الذي كان مرتكزاً على التجربة الفرنسية تحديداً، حسب وصفه.

لجزء من المسرحيين الشباب رأي آخر، إذ يشكك بعضهم في طريقة صرف الدعم المقدّم من الوزارة، وجدوى بناء المسارح والمركبات الثقافية الضخمة التي تصرف عليها مبالغ كبيرة. المخرج الشاب غسان الحاكم، يقول لـ"العربي الجديد"، إن الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة يشبه الورطة. يفسّر ذلك بقوله إن هذا الدعم، بدل أن يشجع على الإنتاج المسرحي ويحسّن منه، فإنه، بالعكس من ذلك، يفرز فرقاً مسرحية لا تهتم سوى بذلك الدعم، ويقتصر عملها على تهييء ملفات مناسبة فقط لوزارة الثقافة، وفي حال عدم حصولها على الدعم، فإنها لا تنجز الأعمال المفترضة في الغالب. كما يشير الحاكم إلى أنه حتى في حال حصلت فرقة على دعم الدولة، فإن هذه الأخيرة تمنع حصول العمل على دعم خاصّ مكمّل، ما يجعل المشهد المسرحي خاسراً بدل أن يربح.

وإن كانت الجهات الرسمية قد أعلنت في وقت سابق عن مشروع بناء "المسرح الكبير" في العاصمة الرباط، الذي يتسع لـ2500 متفرج، وتبلغ كلفة تشييده 120 مليون يورو، فقد شكك المسرحي الشاب في جدوى مثل هذه المشاريع الضخمة التي تتكرر في مدينتي الرباط والدار البيضاء، دون بقية المدن المغربية. ويرى الحاكم أن هذه المشاريع تبقى حكراً على جمهور معين وفرق مسرحية معينة، قد تكون مثيرة وتسوق أعمالها جيداً، لكنها بعيدة عن معظم المغاربة، مذكّراً بتجربة الرئيس التونسي السابق، الحبيب بورقيبة، في بناء مسارح في غالبية أحياء تونس، لجعل الخشبة على مقربة من الجميع.

وكان غسان الحاكم أطلق، مع زملاء له، تجربة "الكاراج"، التي يصفها بأنها بعيدة عن النجوم، تقصد الأحياء الشعبية وتستأجر محلات فيها، بهدف تقديم العروض المسرحية، التي يتم فيها إشراك الجمهور والفاعلين من أبناء الحي. ويشير إلى أنها تجربة غير خاضعة لتحكم الدولة عبر الدعم، وتناقش المواضيع التي تهتم بها الطبقات الشعبية، وتهدف إلى استقطاب الجمهور الذي لم يعتد قصد المسارح.

المخرجة المغربية نعيمة زيطان، رئيسة فرقة "أكواريوم"، ترى أن "هذا الجيل يتميز عن سابقيه بالتكوين الذي يمتلكه ممثلوه ومخرجوه، وأيضاً المجهود الذي يبذل على مستوى السينوغورافيا، في البحث عن الاقتراحات والتوثيق. هو جيل يحمله إيمانه بالمسرح الحامل، بدوره، لقضايا المواطن. ومن هنا نرى بروز القضايا التي تهم المواطن بدرجة أكبر لدى الشباب، بخلاف مرحلة معينة في السابق كان المسرح مقترناً فيها بالرغبة في الفكاهة والإضحاك".

وتعطي زيطان نماذج على ذلك بتجارب مثل "مسرح المواطن"، الذي تنتظمه فرقة "دابا تياتر"، و"تياتر فوروم" التي تنظمه فرقتها، أو التجارب المختلفة لـ"مسرح المقهور"، مؤكدة أن هذا الجيل هو جيل من المواطنين الذين تأثروا وشارك جزء منهم في حراك 20 فبراير، سواء بشكل مباشر أو عبر الإبداعات التي تخدم قيم الحرية والديمقراطية والعيش الكريم. تقول: "هذه المبادئ يتقاسمها المواطنون عامة، والمسرحيون الشباب مثّلوها بطرق مختلفة عن طريق التعبير الفني عموماً، والمسرحي خصوصاً".

من جهته، يدافع عبد المجيد الهواس، رئيس شعبة السينوغرافيا في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، عن الجيل الجديد من المسرحيين، معتبراً المسرح المغربي مسرحَ تجريب، يجب أن يبقى مشرعاً على البحث والتجديد ومغامراً في أفق تطوير جمالياته وأدواته التقنية والتعبيرية، ليواكب التطور الذي يعرفه المسرح في أنحاء العالم.

وأضاف الهواس، وهو أيضاً مخرج مسرحي، أن الذين يهاجمون جيل الشباب من المسرحيين، يغالطون أنفسهم أو يخشون على مواقعهم داخل خريطة الإبداع، التي يعتبرها اليوم أكثر دينامية وحيوية وأكثر عمقاً في تناول قضايا الإنسان المعاصر. ويتمنى الرجل أن يحافظ الجيل الشاب من المبدعين على مواكبته لراهن المجتمع المغربي، والتعبير عنه في آنيته، بصيَغ فنية متطورة، من دون القطيعة مع التجارب المؤسِّسة للمسرح المغربي.

يبقى التحدي الكبير هو تحدي الجمهور، الذي ابتعدت فئات واسعة منه عن هذا الفن، وهو ما يفسره ممثل وزارة الثقافة بعدم تلقي تلاميذ المدارس تربية على الفنون، رغم أنهم يتلقون التربية الإسلامية والتربية الوطنية. بينما ينسب غسان الحاكم ذلك لسياسة الدولة، التي حاصرت "مسرح الهواة"، وهو جيل سابق من المسرحيين كان قريباً من اليسار، وكان يشتغل أساساً في دور الشباب الموجودة في الأحياء. ويرى المخرج الشاب أن الدولة حاولت تنميط المسرح عبر آليتي الرقابة والدعم، وإعادة توطينه في المركز لتتحكم فيه، ما أحال الجمهور في النهاية إلى التخلي عن متابعته.

المساهمون