05 نوفمبر 2024
مسرحية الفوضى العراقية
تدخل الجموع المنطقة الخضراء المحصنة، تلك التي كانت محرمة على العراقيين طوال سنوات خلت، ثم تذهب إلى أبعد من ذلك، إنها تدخل البرلمان العراقي، قاعاته، الصغرى والكبرى، ويتصاعد الهتاف، تهتف الجموع للسيد القائد، وللعراق، من دون أن يخلو المشهد من صفعة لنائب هنا أو مضايقةٍ لآخر هناك، من دون أن يخلو من تكسير وتحطيم، لكنها تبقى محكومة ومحدودة.
يتساءل أحدهم في "فيسبوك": هل اقتحمت الجموع المنطقة الخضراء أم سُمح لها؟ ببساطةٍ، يكتب له أحدهم معلقاً، لا طبعاً، فتحت الأبواب ودخلت الجموع، وساندتها القوات الأمنية في رحلة فتح المنطقة الخضراء، ثم يأتي تأكيد من القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، حيدر العبادي، أنه هو من أمر بفتح بوابات المنطقة الخضراء للمتظاهرين.
يلخص مشهد السبت في بغداد، في منطقته الخضراء، حالة مسرحية الفوضى التي يعيشها العراق، فهنا كل شيء يخضع لقانون المسرح، ممثلون ومخرج وملقن، بل حتى نصوص مكتوبة يفضل أن لا يخرج عنها من يتبادلون الأدوار على خشبة مسرح الوطن، على خشبة العراق المتهرئة من كثرة أدوار العرض التي لا تنتهي.
يعود أحدهم فيكتب معلقاً على يوم الفتح، السبت الماضي، أن السنة تظاهروا طوال عام في مناطق تبعد أقربها إلى بغداد 60 كيلو متراً، غير أن القوات الأمنية ارتكبت مجزرة إثر أخرى، بدأت في الحويجة شمالاً، وانتهت بالفلوجة غرباً، قبل أن تمر بالموصل، علماً بأن هؤلاء الذين تظاهروا عاماً وأكثر في مدن عراقية عديدة وكبيرة، لم يطالبوا بالإصلاح السياسي، أستغفر الله، فتلك تهمة لا تقوى مدنهم ورجالاتها على حملها، فقط طالبوا بإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين بلا تهمة، فقط طالبوا بالإنصاف، طالبوا بأن يكونوا عراقيين، لا أكثر.
ثم تساءل آخر: تخيل لو أن من اقتحم المنطقة الخضراء من السنة، ماذا يمكن أن يحصل؟ تخيل لو أن النائب الذي وقع بيد المتظاهرين، عمار طعمة، كان سنياً؟
إنها ليست مجرد أسئلة، إنها تلخص واقعا حقيقيا ومزريا يعيشه العراق، واقعاً يجعل من كل المشاهد الآتية من هناك مسرحية سمجة، لا يمكن أن تنطلي على أحد.
يعرف الممثلون على المسرح العراقي أدوارهم جيداً، يعرف حيدر العبادي أن مقتدى الصدر المنادي بالإصلاح إنما يسعى لتمرير كابينته المقترحة للحكومة الأولى، التي قدمها العبادي قبل نحو أسبوعين للبرلمان، والتي فض الصدر على أساسها اعتصامه.
كان العبادي نفسه يريد لكابينة الصدر أن تمر، لأنه يريد أن يتخلص من كابوس الكتل السياسية التي تحرك وزراءها من وراء الستار، أو من أمامه، كان يريد كابينة من المستقلين، ممن يستطيع أن يحاسبهم، لا كابينة من رؤساء الحكومات بمسمى وزير. والصدر يعتبر ابن الخارجية الإيرانية وذراعها في العراق، وهذه ترى أن العملية السياسية في العراق وصلت إلى حافة النهاية. وبالتالي، لا بد من مشروع إنقاذ يحافظ على مكتسبات إيران في العراق، وهو خيار أفضل من خيار الحرس الثوري الذي يريد أن يعيد الأمور إلى سلطة نوري المالكي.
وسط هذه الفوضى الممنهجة، لا يهم أميركا سوى أن يبقى العبادي رئيساً للحكومة ليس حباً به، وإنما لأنها تريد أن لا تؤدي أي فوضى غير محسوبة في العراق إلى تعطيل استراتيجية قتال "داعش"، هذه الاستراتيجية التي يريد لها أوباما أن تستمر، على الرغم من كل الانتقادات التي تنهال عليه، وعلى إدارته.
ما يهم الآن هو كيف سيخرج العراق من أزمته الراهنة؟ سؤال تطرحه وسائل الإعلام الغربية، الأمر الذي يجعلك تشعر بأن العراق، قبل أحداث السبت الماضي، لم يكن في أزمة، لم يكن في ضياع وفشل وفساد وقتل واغتيال وترويع وطائفية.
لن يحدث شيء، لن تتغيّر تركيبة النظام السياسي في العراق، العملية السياسية وعلى الرغم من فشلها أكثر من عشرة أعوام، إلا أنها صامدة بدعم رعاتها. ببساطةٍ، لأن الجميع لا يريد، حاليا على الأقل، لهذه العملية السياسية أن تنهار، وكل ينظر إلى الأمر من زاوية مصالحه، وطبعا لا وجود لمصلحة العراقيين بين كل هذا وذاك.
لا تطلب إصلاحاً من فاسد، ولا عدلاً من مجرم، حقيقة لا يجب أن تغيب عن بال من يتابع الشأن العراقي أو السوري أو المصري أو الليبي، فتلك مسلمة، ربما غابت عنك اليوم. ولكن، ضعها في درج أيامك، لأنك ستنتفع بها ذات فوضى.
يتساءل أحدهم في "فيسبوك": هل اقتحمت الجموع المنطقة الخضراء أم سُمح لها؟ ببساطةٍ، يكتب له أحدهم معلقاً، لا طبعاً، فتحت الأبواب ودخلت الجموع، وساندتها القوات الأمنية في رحلة فتح المنطقة الخضراء، ثم يأتي تأكيد من القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، حيدر العبادي، أنه هو من أمر بفتح بوابات المنطقة الخضراء للمتظاهرين.
يلخص مشهد السبت في بغداد، في منطقته الخضراء، حالة مسرحية الفوضى التي يعيشها العراق، فهنا كل شيء يخضع لقانون المسرح، ممثلون ومخرج وملقن، بل حتى نصوص مكتوبة يفضل أن لا يخرج عنها من يتبادلون الأدوار على خشبة مسرح الوطن، على خشبة العراق المتهرئة من كثرة أدوار العرض التي لا تنتهي.
يعود أحدهم فيكتب معلقاً على يوم الفتح، السبت الماضي، أن السنة تظاهروا طوال عام في مناطق تبعد أقربها إلى بغداد 60 كيلو متراً، غير أن القوات الأمنية ارتكبت مجزرة إثر أخرى، بدأت في الحويجة شمالاً، وانتهت بالفلوجة غرباً، قبل أن تمر بالموصل، علماً بأن هؤلاء الذين تظاهروا عاماً وأكثر في مدن عراقية عديدة وكبيرة، لم يطالبوا بالإصلاح السياسي، أستغفر الله، فتلك تهمة لا تقوى مدنهم ورجالاتها على حملها، فقط طالبوا بإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين بلا تهمة، فقط طالبوا بالإنصاف، طالبوا بأن يكونوا عراقيين، لا أكثر.
ثم تساءل آخر: تخيل لو أن من اقتحم المنطقة الخضراء من السنة، ماذا يمكن أن يحصل؟ تخيل لو أن النائب الذي وقع بيد المتظاهرين، عمار طعمة، كان سنياً؟
إنها ليست مجرد أسئلة، إنها تلخص واقعا حقيقيا ومزريا يعيشه العراق، واقعاً يجعل من كل المشاهد الآتية من هناك مسرحية سمجة، لا يمكن أن تنطلي على أحد.
يعرف الممثلون على المسرح العراقي أدوارهم جيداً، يعرف حيدر العبادي أن مقتدى الصدر المنادي بالإصلاح إنما يسعى لتمرير كابينته المقترحة للحكومة الأولى، التي قدمها العبادي قبل نحو أسبوعين للبرلمان، والتي فض الصدر على أساسها اعتصامه.
كان العبادي نفسه يريد لكابينة الصدر أن تمر، لأنه يريد أن يتخلص من كابوس الكتل السياسية التي تحرك وزراءها من وراء الستار، أو من أمامه، كان يريد كابينة من المستقلين، ممن يستطيع أن يحاسبهم، لا كابينة من رؤساء الحكومات بمسمى وزير. والصدر يعتبر ابن الخارجية الإيرانية وذراعها في العراق، وهذه ترى أن العملية السياسية في العراق وصلت إلى حافة النهاية. وبالتالي، لا بد من مشروع إنقاذ يحافظ على مكتسبات إيران في العراق، وهو خيار أفضل من خيار الحرس الثوري الذي يريد أن يعيد الأمور إلى سلطة نوري المالكي.
وسط هذه الفوضى الممنهجة، لا يهم أميركا سوى أن يبقى العبادي رئيساً للحكومة ليس حباً به، وإنما لأنها تريد أن لا تؤدي أي فوضى غير محسوبة في العراق إلى تعطيل استراتيجية قتال "داعش"، هذه الاستراتيجية التي يريد لها أوباما أن تستمر، على الرغم من كل الانتقادات التي تنهال عليه، وعلى إدارته.
ما يهم الآن هو كيف سيخرج العراق من أزمته الراهنة؟ سؤال تطرحه وسائل الإعلام الغربية، الأمر الذي يجعلك تشعر بأن العراق، قبل أحداث السبت الماضي، لم يكن في أزمة، لم يكن في ضياع وفشل وفساد وقتل واغتيال وترويع وطائفية.
لن يحدث شيء، لن تتغيّر تركيبة النظام السياسي في العراق، العملية السياسية وعلى الرغم من فشلها أكثر من عشرة أعوام، إلا أنها صامدة بدعم رعاتها. ببساطةٍ، لأن الجميع لا يريد، حاليا على الأقل، لهذه العملية السياسية أن تنهار، وكل ينظر إلى الأمر من زاوية مصالحه، وطبعا لا وجود لمصلحة العراقيين بين كل هذا وذاك.
لا تطلب إصلاحاً من فاسد، ولا عدلاً من مجرم، حقيقة لا يجب أن تغيب عن بال من يتابع الشأن العراقي أو السوري أو المصري أو الليبي، فتلك مسلمة، ربما غابت عنك اليوم. ولكن، ضعها في درج أيامك، لأنك ستنتفع بها ذات فوضى.