منذ عرضها الأول، في ربيع 2017، لقيت مسرحية "قم" استقبالاً جيّداً جعلها تستمر في عروضها إلى اليوم، متنقّلةً بين عدّة مدن تونسية، حيث تُقدّم حالياً في القيروان ويقام آخر عرض لها عند الثامنة من مساء الغد.
موضوع المسرحية، التي أنتجها "مركز الفنون الدرامية والركحية" في الكاف، يجعلها من الأعمال المسرحية العربية القليلة التي تناولت "المعلّم" كموضوع أساسي، وسلّطت الضوء على مشكلاته ودوره الاجتماعي، وانتقدت أداءه في ظل نظام فاسد وظروف اقتصادية قاسية. من هنا نفهم أن عبارة "قُم" مقتبسة من بيت أحمد شوقي الشهير "قم للمعلّم".
العمل من إخراج محمد الطاهر خيرات، وهو مقتبس عن رواية الكاتب التونسي نور الدين علوي "في بلاد الحد الأدنى"، التي كُتبت في زمن نظام زين العابدين بن علي، وحين قامت الثورة رأى فيها كثيرون توقّعاً لها.
يجسّد المعلّم في مسرحية خيرات القيم الاجتماعية والأخلاقية والمثل العليا، كما يُنتظَر منه، لكنه يظهر في عدة نماذج من خلال شخصية معلّمَين، الأول هو "سي علي" (يؤدي دوره منير خرزي)، وهو ناظر المدرسة الذي لقي الأمرّين طيلة سنوات عمله نتيجة لتمسّكه برسالته ورفضه القاطع للدروس الخصوصية.
المعلّم الثاني هو مدحت (يؤدي دوره عبد الرحمن الشيخاوي)، وعلى النقيض من سي علي، يسترزق من الدروس الخصوصية ويتقاعس في الصف لكي يضطر الطلاب إلى أخذ الدروس خارجه.
الأحداث تسير على نحو غير متوقَّع حين ينتهي الأمر بعلي المثالي إلى أن يصبح مجرماً. الكوميديا السوداء التي غلّفت العمل تظهر من خلال اختيار الملابس الغرائبية والمضحكة والحوار الساخر.
وتُظهر الأحداث إلى أي حد تكون أبسط الأشياء مؤثّرة في مصير مجتمع بأكمله، وأن الاخلال بالمهمات العادية التي يجب على كل فرد أن يؤدي دوره من خلالها قد يكون أحد أسباب خلخلة المنظومة الأخلاقية برمّتها.
ويظهر المعلّم هنا كما لو أنه باب من أبواب الفساد، وكأن الخراب الذي بدأ من رأس الهرم في السلطة، استشرى ووصل إلى كل طبقات المجتمع وفئاته.