تواصل الأصوات المقاومة من فلسطين المحتلة وأوروبا رفض استضافة تل أبيب مسابقة "يوروفيجن" الغنائية الأوروبية التي تختتم فعالياتها غداً السبت. وعلى الرغم من أن فنانين كثيرين لبّوا دعوة المقاطعة، إلا أن آخرين أصرّوا على المشاركة، متنكرين بزيّ السلام تحت ظل نظام عنصري هجّر الفلسطينيين قبل 71 عاماً.
وبدأت فعاليات الدورة الـ 64 من "يوروفيجن" في تل أبيب، مساء يوم الثلاثاء، بعد فوز المغنية الإسرائيلية، نيتا بارزيلاي، بالجائزة العام الماضي. ويشارك فيها فنانون من 40 دولة. وهذه المسابقة غنائية ينظمها "اتحاد البث الأوروبي"، وتعتبر أكبر حدث غير رياضي من حيث عدد المشاهدين حول العالم.
ومن المقرّر أن تحيي مغنية البوب الأميركية، مادونا، نهائي المسابقة الغنائية، غداً السبت، لتضرب عرض الحائط بدعوات المقاطعة، وتغض النظر عن واجبها الأخلاقي إزاء انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني. وكان الموسيقي والناشط في حملة مقاطعة إسرائيل، روجر ووترز، طالبها بمقاطعة حفلها في تل أبيب، مناشداً إياها الالتفات إلى معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت سطوة احتلال عنصري، في مقالة نشرتها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في إبريل/نيسان الماضي.
ووجّه روجر ووترز كلامه إلى مادونا حينها: "إذا كنت تؤمنين بحقوق الإنسان، فلا تغنّي في تل أبيب"، معتبراً أن قبولها الدعوة للمشاركة في "يوروفيجن" يثير مجدداً "أسئلة أخلاقية وسياسية على كل واحد منّا التفكير فيها". ولفت ووترز إلى أن الفنانين يوافقون على الغناء في تل أبيب بينما "يرزح الشعب الفلسطيني تحت سطوة احتلال عنصري قاس، ولا يتمتع بحقوقه في الحياة والحرية وتقرير المصير". ووصف مزاعم فنانين بأنهم يغنون لدى الاحتلال الإسرائيلي لبناء الجسور وتعزيز السلام بـ "الهراء".
لكن مادونا كسرت صمتها، موجهة بياناً إلى وكالة "رويترز"، يوم الثلاثاء الماضي، مؤكدة فيه مشاركتها في المسابقة "سعياً منها إلى شق طريق جديد للسلام"، ورافضة "التوقف عن الغناء إرضاء لأجندة سياسية معينة".
وللمفارقة، فإن حديث مادونا عن الأجندات السياسية تجاهل سعي الاحتلال إلى استغلال الفعاليات الثقافية والفنية في تحسين صورته وتشتيت انتباه الرأي العام العالمي عن إجراءاته غير الأخلاقية وغير الشرعية. فالفن، بالنسبة للكيان الصهيوني، أداة سياسية؛ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، استقبل نيتا بارزيلاي مشيداً بفوزها بجائزة "يوروفيجن" عام 2018، مثنياً عليها باعتبارها "شخصاً قدّم عملاً استثنائياً في العلاقات الخارجية".
والاستقبال جرى يوم 17 مايو/أيار الماضي، أي بعد مرور ثلاثة أيام على المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأدّت إلى مقتل أكثر من ستين غزّياً كانوا يأملون في عبور الأسلاك الشائكة على الحدود، كما أصيب نحو 2000 شخص.
كما تجاهلت مادونا وغيرها الحصار الذي يفرضه الاحتلال على الفن والثقافة. إذ استهدف الصحافيين في غزة، خلال مارس/آذار وإبريل/نيسان الماضيين. وقصفت طائراته مبنى "مركز المسحال الثقافي" في غزة. ويمنع، بشكل روتيني، الفنانين الفلسطينيين والممثلين والموسيقيين من الحصول على إذن بالسفر. ويهدد بقطع التمويل عن المنظمات الثقافية الإسرائيلية، ما لم تعدل برامجها لتناسب توجهات الحكومة.
"الحركة العالمية للمقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات" دعت إلى مقاطعة المسابقة، منذ يناير/كانون الثاني الماضي. واعتبرت إقامتها في تل أبيب محاولة "لغسل سمعة الاحتلال العسكري والاستيطاني عن طريق الفن". ووقع أكثر من 120 فناناً فلسطينياً هذا البيان.
ولقيت دعوة الحركة تأييداً من مشاهير بريطانيين، منهم مصممة الأزياء فيفيان وستوود والممثلتان جولي كريستي وماكسين بيك والمغني بيتر غابرييل. وكان هؤلاء ضمن 50 شخصاً وقعوا على خطاب لصحيفة "ذا غارديان" يدعو "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) "للضغط من أجل تغيير مكان إقامة حفل يوروفيجن إلى دولة لا ترتكب فيها جرائم ضد الحرية". وجاءت هذه الرسالة في أعقاب أخرى نشرت في أيلول/ سبتمبر عام 2018، دعت خلالها شخصيات ثقافية من أنحاء أوروبا كافة منظمي "يوروفيجن" إلى "إلغاء استضافة إسرائيل للمسابقة بالكامل ونقلها إلى بلد آخر له سجل أفضل في مجال حقوق الإنسان".
التحركات ضد تل أبيب جاءت من الشارع الفلسطيني أيضاً. إذ قالت "هيئة البث الإسرائيلي العامة"، يوم الأربعاء، إن البث المباشر على الإنترنت للمرحلة قبل النهائية من المسابقة تعرض لاختراق، وألقت اللوم على ناشطي "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) التي لم تعلّق.
وتزامناً مع إطلاق "يوروفيجن"، يوم الثلاثاء، أقامت "مجموعة جسور للتواصل الدولي" احتفال "غزة فيجن" على أنقاض "عمارة أبو قمر"، وسط مدينة غزة، التي دمّرتها صواريخ الاحتلال الإسرائيلي خلال جولة التصعيد الأخيرة التي شهدها القطاع، رفضا لاحتفال يقام على أرض فلسطين المحتلة منذ عام 1948.
كما شارك عشرات الفنانين الفلسطينيين، في 8 مايو/أيار الحالي، في وقفة احتجاجية أمام مقر الاتحاد الأوروبي في مدينة غزة المحاصرة، للمطالبة بمقاطعة مهرجان الأغنية الأوروبية "يوروفيجن".
كالعادة، كشّر الاحتلال عن أنيابه، مواجهاً حملات المقاطعة بفرض حراسة مشددة لتأمين المسابقة، تشمل الفنادق التي سينزل فيها أعضاء الوفود الرسمية على مدار 24 ساعة، مع وضع قيود على حركة هذه الوفود، ونقلها في حافلات خاصة ترافقها دراجات ومركبات لعناصر من القوات الخاصة للشرطة. وأفادت وكالة "رويترز" بأن إسرائيل أطلقت حملة علاقات عامة لمواجهة دعوات مقاطعة نهائي "يوروفيجن"، باستخدام إعلانات على موقع "غوغل" تشير إلى المقاطعة، لكنها تؤدي إلى موقع إلكتروني يمجّد الكيان الصهيوني.