وصرّح المصدر السعودي، لـ"رويترز"، بأن خاشقجي "توفي" خلال محاولة الفريق الأمني إرغامه على الصمت عندما شرع في الصراخ.
ووفقا لأحدث نسخة من الرواية السعودية، ادعى المسؤول ذاته أن السعودية أرادت إقناع خاشقجي، الذي انتقل للإقامة في واشنطن قبل عام خوفا من الانتقام منه بسبب آرائه السياسية، بالعودة إلى المملكة كجزء من "حملة للحيلولة دون تجنيد أعداء البلاد للمعارضين السعوديين".
وأضاف المسؤول أنه من أجل ذلك شكل نائب رئيس الاستخبارات العامة، أحمد عسيري، فريقا من 15 فردا من الاستخبارات والأمن للذهاب إلى إسطنبول ومقابلة خاشقجي في القنصلية، ومحاولة إقناعه بالعودة.
وادعى المسؤول ذاته، الذي رفض الكشف عن هويته، أن هناك "أمرا دائما" بالتفاوض على عودة المعارضين بـ"طريقة سلمية"، مضيفا أن "أمر العمليات يمنحهم سلطة التصرف دون الرجوع للقيادة". وأضاف أن "عسيري كوّن الفريق"، وأن المستشار بالديوان الملكي، سعود القحطاني، شارك في إعداد العملية".
وتابع أن "القحطاني وافق على أن يدير أحد موظفيه المفاوضات".
وبحسب المسؤول ذاته، ووفق روايته التي تحاول إبعاد أي مسؤولية عن مستوى القرار السياسي في الرياض عن قتل خاشقجي، خاصة مع تنامي الاتهامات لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فإنه وفقا للخطة كان سيحتجز الفريق خاشقجي "في مكان آمن" خارج إسطنبول لـ"بعض الوقت"، ثم يفرج عنه إذا رفض في نهاية الأمر العودة للسعودية، وفقا لقوله.
وأكد أن "الأمور ساءت من البداية، إذ أن الفريق تجاوز التعليمات ولجأ سريعا للعنف"، في مسعى من المسؤول الحكومي إلى إلصاق جريمة قتل الصحافي السعودي بـ"أخطاء فردية".
ووفقا لرواية المسؤول الحكومي، فقد تم توجيه خاشقجي لمكتب القنصل العام، حيث تحدث معه ماهر مطرب، الضابط المقرب من بن سلمان، عن العودة للسعودية. وقال إن الصحافي السعودي رفض وأبلغ مطرب أن شخصا ما ينتظره بالخارج، وسيتصل بالسلطات التركية إذا لم يظهر خلال ساعة.
وكانت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، قالت إنه كان قد سلمها هاتفيه المحمولين وطلب منها أن تنتظره وتتصل بمساعد للرئيس التركي إذا لم يعد.
وداخل القنصلية، وفقا لرواية المسؤول، قال خاشقجي لمطرب: "هذا الأمر مخالف للأعراف الدبلوماسية والأنظمة الدولية. ماذا ستفعلون بي هل لديكم نية لخطفي؟"، ليرد مطرب: "نعم سنخدرك وسنقوم باختطافك"، وهو ما ادعى المسؤول ذاته أنه "محاولة تخويف تخالف هدف المهمة"، و"عندما رفع خاشقجي صوته أصيب الفريق بذعر (..) حاولوا أن يسكتوه وكتموا أنفاسه، ونتيجة إصرار جمال على رفع صوته وإصراره على مغادرة المكتب حاولوا تهدئته، لكن تحول الأمر إلى عراك بينهم... ما اضطرهم لتقييد حركته وكتم نفسه"، وفقا لمزاعمه.
وأضاف: "حاولوا أن يسكتوه لكنه مات. لم تكن هناك نية لقتله (..) إذا وضعت شخصا في سن جمال في هذا الموقف سيموت على الأرجح".
وقال المسؤول نفسه إنه لتغطية الجريمة لفّ الفريق جثة خاشقجي في سجادة وأخرجوها في سيارة تابعة للقنصلية وسلموها "لمتعاون محلي" للتخلص منها. وأضاف أن صلاح الطبيقي، خبير الأدلة الجنائية والطب الشرعي، حاول إزالة أي أثر للحادث.
يشار إلى أن وسائل إعلام تركية تحدثت عن أنّ خاشقجي تعرّض للتعذيب بوحشية قبل أن يقطع رأسه داخل قنصلية بلاده في إسطنبول والتمثيل بجثته.
وقالت صحيفة "يني شفق" التركية إنّه تم تعذيب خاشقجي خلال استجوابه عبر قطع أصابعه، مشيرة إلى أنّها تملك عدة تسجيلات صوتية تثبت ذلك، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تقول فيها وسيلة إعلام تركية إنّها استمعت إلى التسجيلات. وروت الصحيفة أنّه بعد التعذيب تم قطع رأس الصحافي السعودي.
إلى ذلك، قال المسؤول السعودي لـ"رويترز" إن المتعاون المحلي الذي تسلّم جثة خاشقجي يقيم في إسطنبول، لكنه لم يكشف عن جنسيته، مضيفا أن المحققين يحاولون معرفة مكان الجثة.
وفي الوقت ذاته، ارتدى أحد أفراد الفريق، ويدعى مصطفى المدني، ملابس خاشقجي ونظارته وساعته الأبل وغادر من الباب الخلفي للقنصلية في محاولة لإظهار أن خاشقجي خرج من المبنى.
وتوجه المدني إلى منطقة السلطان أحمد، حيث تخلص من المتعلقات.
وقال المسؤول إن الفريق كتب بعد ذلك تقريرا مزورا لرؤسائه، قائلا إنه سمح لخاشقجي بالمغادرة بعد أن حذر من أن السلطات التركية ستتدخل، وأنهم غادروا البلاد سريعا قبل اكتشاف أمرهم.
ويتساءل متشككون عن سبب مشاركة مثل هذا العدد الكبير، وبينهم ضباط بالجيش وخبراء في الطب الشرعي متخصصون في التشريح، في العملية إذا كان الهدف هو إقناع خاشقجي بالعودة للسعودية بإرادته.
وقال المسؤول إن جميع أفراد الفريق، ومجموعهم 15 شخصا، اعتقلوا ويجري التحقيق معهم، إضافة إلى ثلاثة مشتبه بهم آخرين.
وحاول المسؤول الحكومي، في روايته التي قدمها لـ"رويترز"، دعم الرواية التي قدمتها الرياض في الساعات الأولى من صباح السبت بالكثير من التفاصيل، خاصة بعد أن ضاق هامش التحرك أمام سلطات الرياض، ولم يبق لها إلا أن تعترف بمقتل خاشقجي، وذلك بعد 18 يوماً على اختفائه عقب دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إذ قال النائب العام السعودي، سعود بن عبد الله بن مبارك المعجب، إن "التحقيقات أظهرت وفاة المواطن جمال خاشقجي خلال شجار" بالقنصلية السعودية في إسطنبول.
وأوضح النائب العام السعودي أن "المناقشات التي تمت بين المواطن جمال خاشقجي وبين الأشخاص الذين قابلوه أثناء تواجده في قنصلية المملكة في إسطنبول أدت إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي مما أدى إلى وفاته".
ولم تلق تفسيرات الرياض قبولا لدى دوائر دولية كثيرة، بل حتى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتشبث بـ"تحالف المصالح" مع الرياض، عبّر عدم رضاه عن توضيحات السعودية، ملوحاً من جديد بفرض عقوبات، وذلك بعد ساعات من اعتبارها "جديرة بالثقة"، وأنها "خطوة أولى مهمّة".
وعلى الصعيد التركي، قال مسؤول كبير، السبت، إن المحققين الأتراك سيعرفون ما حدث لجثة خاشقجي خلال "فترة غير طويلة على الأرجح".
ونقلت "رويترز" عن المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه يجري الحصول على عينات من الحمض النووي لخاشقجي من داخل تركيا، وهو ما يعني أن المحققين ليسوا بحاجة لطلب ذلك من السعودية في الوقت الراهن.
من جانبه، أعلن متحدث حزب "العدالة والتنمية" التركي (الحاكم) عمر جليك أن "كشف ملابسات الحادثة دين في أعناقنا، وسنستخدم جميع الإمكانات في هذا الصدد، وهذا ما تجسده إرادة الرئيس رجب طيب أردوغان".
وقال جليك في تصريح صحافي إن بلاده ستكشف عن كل ما جرى في ما يتعلق بمقتل خاشقجي، مضيفاً: "نحن نجري تحقيقنا المستقل".
وتابع: "نحن لا نتهم أي شخص مسبقا، ولكننا لا نرضى بأن يبقى أي شيء مخفيًا".