مزارعو غزّة.. مقاومة المعاول

18 مارس 2015
خسر قطاع واسع من الشباب الغزي عمله في الزراعة(Getty)
+ الخط -

أصبح التعليم الآن وسيلة لتعلّم ممارسة بعض المهن التقليديّة، وإن كان البعض من محترفيها لا يرون بذلك ضرورة، إلّا أن المئات من الشبّان و"جيل اليوم" يلجأون إلى الجامعات، الكليّات المتخصّصة والمعاهد، كلّ منهم في مجال معيّن يوقن أنّه سيخدمه في مهنة قد فرضت عليه كونها متوارثة ولا بديل لها، حسب رؤيته. كما يمكن أيضاً أن يكون التعليم وسيلة للتدريب على تقبّل القهر والرضا بالظلم وتعوُّد الاستكانة في حالٍ بائس لا حلّ فيه سوى التقبّل.

أنهى دراسته في كليّة الزراعة، تخرّج ولم يجد أيّاً من الوظائف متاحة أمامه، كمعظم الخرّيجين. قبل بزوغ الفجر بشكل يوميّ، يفيق، ينهض من فراشه، يعدّ عدّته ويصحبها معه إلى تلك الأرض. أرض واسعة، خضراء، مكسوّة بحبّات فراولة نبتت بلطف، على استحياء من شدّة اعتناء مزارعها بها.

أرض تُقابلها الحدود مع الاحتلال شمال قطاع غزّة، أبى مالكوها تركها، إذ إنّهم لا يتوانون عن العمل فيها على الرغم من خطورة موقعها. إذن، فهذه فرصة ممتازة أمام ذاك الشّاب لتطبيق ما تعلّمه وتلقّاه طيلة خمس سنوات جامعيّة. ولطالما كانت العلاقة بين التعليم والممارسة محل نتاج غاية في النّجاح. إذ إنّ العمل به نابع من إصرار فردي على النّجاح وإبهار مَن حوله ممّن كانوا يستهزئون بالزراعة والحرف التقليديّة.

تجاور المحاصيل بعضها بعضاً خلال مرحلة النمو، يقضي المُزارع طيلة وقته في متابعة مراحل النمو لكلّ محصول، بهدف الحصول على أفضل النتائج، مستغلّاً لذلك خبرة والده الذي قضى حوالي 40 عاماً يعمل مزارعاً، وما اكتسبه من تعليمه الجامعي ليخرج أخيراً بنتائج مذهلة يشهد لها قطاع غزّة بأسره. كما أوروبا التي باتت تعتبر أن محاصيل الفراولة والزهور وغيرها من المنتوجات الغزّية من أجود ما تستورده على الإطلاق.

وهنا يجد هذا المزارع نفسه منتصراً على كلّ عوامل اليأس المحيطة والمحبطة، رغم الكثير من العقبات، بلّ وتشجيع الكثيرين ممّن لا يجدون عملاً بالسّعي له وإن لم يكن حسب رغباتهم، إلا أنّهم أصبحوا يعتبرونه تحدّياً لأنفسهم ولظروف بلد أبوا أن يرضخوا لحصارها وعوامل الإحباط فيها.

والمحاصيل المزروعة في القطاع تتميّز بالجودة الكبيرة نتيجة الخصوبة العالية التي تتمتع بها الأرض الفلسطينية، بالإضافة إلى أنّ المزارع الغزّي يستطيع أن يغطي احتياجات السّوق بأكمله، حيث إن القطاع مكتفٍ ذاتيّاً في ما يخصّ المحاصيل الزراعية منذ سنوات عديدة، إلا أن خسائر حظر التصدير أنهكت اقتصاد المزارعين، ما دعاهم إلى تقنين الأسعار إلى أقل من سعرها الطبيعي لتصريف منتجاتهم في القطاع. عدا عن ذلك، استثنت إسرائيل ستّة أنواع من الخضروات من قائمة الحظر الذي تفرضه على تصدير المنتجات الزراعيّة، منها (الخيار والطماطم والباذنجان والفلفل الحلو والكوسا)، ليصدّر بعضها إلى الضفّة الغربيّة والبعض الآخر إلى أوروبا.

وفي ما يخصّ الحروب وتأثيرها، فإن خسارة القطاع الزراعي من العدوان الأخير على قطاع غزّة عام 2014، بلغت أكثر من 550 مليون دولار، وفقاً لما أفادت به وزارة الزراعة الفلسطينية، إضافة لتوقف أكثر من 80% من العاملين في القطاع الزراعي عن العمل، بعد أن فقدوا مصدر رزقهم الوحيد، جراء قصف المزارع وتجريف الأراضي. ولكنّ المزارعين لا يزالون يُشدّدون على أن الدافع وراء الاستمرار في الزراعة، رغم الخسارة، يتمثّل بتمسّك المواطن الفلسطيني بأرضه التي يسعى الاحتلال إلى سلبها بكل الوسائل، معتبرين أن العمل بهذه المهنة، رغماً عن أنف الاحتلال وضيق الحال، بمثابة مقاومة ونهوض بالواقع.


(فلسطين)

المساهمون