في مدينة حمص الواقعة في قلب سورية، مرقد واحد من أهم القادة العسكريين والفاتحين الذين غيّروا وجه التاريخ ومجراه في خلال مدّة زمنية قصيرة، هو القائد والصحابي خالد بن الوليد الذي لقّبه النبي محمد "سيف الله المسلول".
والمرقد الذي يضمّ رفات القائد الذي لم يهزم قط في معركة، لا قبل إسلامه ولا بعده، يقع في حرم مسجد خالد بن الوليد في منطقة الخالدية عند الجهة الشمالية الشرقية من المدينة، وهو يُعَدّ معلماً من معالم المدينة التاريخية. يُذكر أنّ القائد العربي الصحابي خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، توفي في حمص في عام 642 ودُفِن فيها.
تعرّض مسجد خالد بن الوليد التي يُعَدّ أبرز مساجد حمص، لقصف في أكثر من مرّة، لا سيّما في عام 2013، الأمر الذي خلّف فيه وفي المرقد أضراراً بالغة، في حين شُوّهت معالمهما. وفي عام 2015، انطلقت عملية ترميمه بتمويل من رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف، وأعيد افتتاحه في فبراير/ شباط 2019 بحضور مفتي جمهورية الشيشان صلاح ميجييف. يُذكر أنّ الضريح الخشبي الأثري الذي أمر ببنائه السلطان الظاهر بيبرس في عام 1266، استُبدل بغرفة من الحجر مع قبّة تضمّ ضريح خالد بن الوليد وكذلك ضريح ابنه عبد الرحمن.
تأتي سيرة خالد بن الوليد حافلة بالأحداث الكبرى في فترة زمنية توصَف بأنّها من الأبرز في التاريخ العربي الإسلامي، إذ إنّ المسلمين الأوائل انطلقوا في خلالها لتغيير العالم كله. وقد اختار خالد بن الوليد مدينة حمص محلّ إقامة له بعدما عزله الخليفة عمر بن الخطاب عن قيادة جيوش المسلمين عقب افتتان الناس به في عام 638.
في بداياته، حارب خالد بن الوليد الإسلام، فهو كان قائد الفرسان في معركة "أحد" التي وقعت بين جيش المسلمين بقيادة النبي محمد وقبيلة قريش بقيادة أبي سفيان بن حرب. يُذكر أنّ دهاءه العسكري كان وراء الهزيمة التي تعرّض لها المسلمون في تلك المعركة. في وقت لاحق، أسلم خالد بن الوليد بعد صُلح الحديبية وأطلق عليه النبي محمد لقب "سيف الله المسلول"، ثمّ دخل مكّة مع النبي محمد فاتحاً وقد صار من أبرز القادة في جيش الصحابة.
قضى خالد بن الوليد على خطر القبائل العربية التي ارتدّت عن الإسلام بعد وفاة النبي محمد، ثمّ وجهه الخليفة أبو بكر الصديق لفتح العراق، فانتصر على الفرس في معارك عدّة وكسر شوكتهم ممهّداً للقضاء عليهم في معركة القادسية الشهيرة في عام 636، بقيادة سعد بن أبي وقاص. ووجّه أبو بكر الصديق خالد بن الوليد إلى الشام نصرة لجيش المسلمين الذي كان يستعد لمعركة فاصلة مع الروم، فقاد هذا الجيش من نصر إلى نصر وصولاً إلى معركة اليرموك في عام 636، والتي فُتحِت على أثرها بلاد الشام كلها وصولاً إلى مدينة حلب ومحيطها. تولّى خالد بن الوليد ولاية قنّسرين، وهي العيس اليوم، الواقعة إلى الجنوب من حلب، بعدما خاض معركة كبرى مع الروم البيزنطيين.
لم يُعمّر "سيف الله المسلول" طويلاً، وتوفي في حمص بعد نحو أربعة أعوام من عزله فيها. ويُروى أنّه حين حضرته الوفاة بكى قائلاً: "شهدت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء".
في عام 1266، وفي أثناء عبوره في حمص، أمر الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، سلطان مصر والشام، رابع سلاطين الدولة المملوكيّة، ببناء جامع يليق بمقام الصحابي الكبير. وأقيم كذلك مدفن لخالد بن الوليد مع ضريح من الخشب. وفي عام 1291، أمر الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور قلاوون، وهو ثامن سلاطين الدولة المملوكية، بتجديد شباك الضريح. وفي بدايات القرن العشرين، في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، هُدِم الجامع القديم وأقيم مسجد حديث بدلاً منه، على نسق جوامع مدينة إسطنبول. انتهى العمل به في عام 1912، فخطف الألباب مع قبابه البيض ومئذنتيه.
تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة مؤرّخين ذكروا أنّ القائد العسكري المغولي تيمورلنك لم يقتحم مدينة حمص في خلال اندفاعه في الشرق العربي، احتراماً لخالد بن الوليد.
ونستعيد بعضاً من أبيات الشاعر نزار قباني القائل: "وقبـر خالد في حـمصٍ نلامسـه... فـيرجف القبـر من زواره غـضبا/ يا رب حـيٍ رخام القبر مسكنـه... ورب ميتٍ على أقدامـه انتصبا/ يا ابن الوليـد ألا سيـفٌ تؤجره؟... فكل أسيافنا قد أصبحت خشـبا/ دمشـق يا كنز أحلامي ومروحتي... أشكو العروبة أم أشكو لك العربا؟".