مراكز الأبحاث في المغرب: سؤال الفاعلية

24 مارس 2016
(تجهيز لـ عاصم الواقف في مراكش، تصوير: مهدي مسّولي)
+ الخط -

قبل عقدين من اليوم، لم تكن مراكز الأبحاث معروفةً لا في المغرب فحسب، بل في جلّ البلاد العربية. ولكن حين وصلت، مع تقاليد بحثية أخرى من الغرب، استطاعت في ظرف وجيز أن تفرض وجودها، وتوسّع أنشطتها، وتتحوّل إلى أحد أبرز المحرّكات الفكرية والسياسية في المشهد العربي.

في المغرب، شهدت السنوات الأخيرة تأسيس عدد من تلك المراكز، لكن لا تزال أدوارها ووظائفها مشوّشة في الأذهان. في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول سمير بودينار، رئيس "مركز الدراسات والبحوث الإنسانية"، إن "هذه المؤسّسات معنيّة برفد صانع القرار بالمعلومة الدقيقة (الخبرة) والرأي المستجيب لتعدّد السيناريوهات والتوقّعات".

من هنا، يمكن تلمّس أسباب وظروف تأسيس مراكز الأبحاث في المغرب، وهي لا تخرج عموماً عمّا هو سائد في الساحة العربية، التي يفترض فيها نظرياً، بحسب منتصر حمادة، مدير "مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث"، أن تندرج "في سياق السائد عالمياً مع معالم وأسباب التأسيس، أي تقديم المتابعة البحثية لقضايا الساحة، بحسب طبيعة اهتمامات ومشاريع هذه المراكز (كأن تكون متابعة قضايا سياسية أو استراتيجية أو أمنية أو دينية.. إلخ)، وضمن تبعات هذا التأسيس، تقديم خدمة لصنّاع القرار".

يضيف "لكن واقع مراكز الدراسات والأبحاث في المجال التداولي العربي بعيد عن الوضع في الغرب، لاعتبارات عدّة، منها عدم إعطاء الأولوية للمشاريع البحثية من طرف صنّاع القرار، ويكفي أن عدد المراكز البحثية الوازنة كان يُعدّ على رؤوس الأصابع إلى غاية منعطف اعتداءات نيويورك وواشنطن، لأنه مباشرة بعد هذه الاعتداءات في مرحلة أولى، وبعد منعطف أحداث "الربيع العربي" في مرحلة ثانية، سنعاين ما يُشبه فورة في تأسيس هذه المراكز، بتأخّر نسبي، مقارنة مع المراكز البحثية الإيرانية والتركية مثلاً".

لنا دائماً أن نتساءل حول ما تقدّمه هذه المراكز نوعياً، انطلاقاً من أنشطتها المتّسعة كمّياً، وهو سؤال، كما يرى بو دينار، "ترتبط الإجابة عليه بمدى الاحترافية في العمل، وهذه نتاج لبنية متكاملة تبدأ من الرؤية والفريق والإمكانيات وأجندة البحث. لذلك نجد هذا التفاوت الكبير في مستوى الإنتاج بين المراكز البحثية، بل إن كثيراً منها لا يعكس إنتاجها أو برامجها أي عمق".

رأيٌ يوافقه حمادة الذي يضيف بأن "أغلب هذه المراكز تراهن على سؤال الكم، وبدرجة أقل سؤال النوع والكيف، إضافة إلى مراكز بحثية شبه فردية، غير مؤسّساتية، تعاني من الإكراه المالي". هذا الوضع لا ينفي - بحسبه - وجود مراكز بحثية تشتغل بشكل جدي ونوعي، مشيراً هنا إلى إشكالية أخرى؛ هي التبعية إلى مؤسّسات غربية، وهذه التبعية قد تفرض أحياناً قطيعة مع قضايا الساحة".

من المؤكّد أن التقاطع مع عالم صناعة القرار، سواء في المغرب أو في أي مكان آخر، يزيد من حدّة الإكراهات التي تعرفها هذه المراكز، من خلال عدم التفاعل بالشكل المطلوب، بحيث يفرغ نتائج التي تقدّمها المراكز من أي فاعلية، إضافة إلى إمكانية التوجيه.

هنا، يدعو بودينار إلى ضرورة فهم دور المراكز كوسيط معرفي وبحثي، مشيراً إلى تقاليد صناعة القرار عربياً، والتي لا تزال تنهل معلوماتها أساساً من تقارير أمنية، محلية وأجنبية، لاعتقاد بأنها أكثر أمانة ميدانياً مقارنة بما يمكن أن يصدر عن مراكز الدراسات. يتابع "من الأسباب أيضاً، قلّة ثقافة الاختصاص وغلبة ثقافة التحرير في كل شيء، والابتعاد عن المهنية والاحترافية في أداء هذه المراكز"، فيما يرى حمادة أن الأمر سيتحسّن بمرور الوقت.

هي إذن تجربة حديثة، لم تؤسّس نفسها عربياً بعدُ كـ "مؤسسات لا غنى عنها"، وهنا تقع المسؤولية على أداء هذه المراكز لتقوية حضورها وفاعليتها ومصداقيتها وتأثيرها، خصوصاً أنها تتخذ لنفسها بعداً اجتماعياً.

دلالات
المساهمون