ويتم التعاطي مع المهجرين في هذه المراكز على قاعدة أنهم "البيئة الحاضنة للإرهابيين"، وأن قلوبهم لا تزال مع المسلحين في الغوطة، وقد يكون بينهم متعاملون معهم، وبالتالي فهم دائماً تحت الرقابة والتدقيق، ويتعرضون للاستجواب والتفتيش، وأحيانا الملاحقة والاعتقال والتعذيب.
من يشرف عليها؟
نظرياً، تتشارك جهات عدة في الإشراف على مراكز الإيواء التابعة للنظام في دمشق ومحيطها، والتي تقلص عددها إلى نحو عشرة مراكز فقط. أولى هذه الجهات محافظتا دمشق وريف دمشق، إضافة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والهلال الأحمر السوري. غير أن أجهزة أمن النظام، وبالرغم من سطوتها على مجمل الجهات السابقة، لكنها كثيراً ما تفضل الاعتماد على جهات تتبع لها بشكل مباشر، حتى في ما يتصل بالأمور الخدمية واللوجستية والتي هي ليست في صلب عملها، مثل إيصال المساعدات وتوزيعها والتعامل اليومي مع المهجرين، لذلك انتدبت بعض الجهات لتمثيلها مثل "فريق دمشق التطوعي" والذي تديره شخصيات مرتبطة بالأمن بشكل مباشر، مثل ميرزت عبود، زوجة محمد الخولي، رئيس أحد فروع المخابرات سابقاً. والمعروف أن الشبان والفتيات الذين ينشطون في فريق دمشق التطوعي يعملون أيضاً مع قوات النظام في الجبهات من خلال إيصال الطعام واللباس لهم، ومساعدة الجنود أحياناً في حفر الأنفاق وإقامة المتاريس، وتوزيع السلل الإغاثية على عائلاتهم، بينما لا تصل تلك السلل إلى عائلات المهجرين إلا بشكل متقطع جداً. كما عمد النظام في الوقت نفسه، إلى منع المنظمات الدولية من دخول هذه المراكز، ليبقيها بعيداً عن أعين أية جهات رقابية دولية.
وفي إطار سياسة التضييق والحجب هذه، تسعى سلطات النظام إلى تقليل فرص احتكاك القاطنين في تلك المراكز مع العالم الخارجي إلى أقل حد ممكن. وحتى وسائل الإعلام التابعة للنظام، لا يسمح لها بدخولها إلا في أضيق الحدود، وبعد موافقات كثيرة. ويقول أحد الصحافيين العاملين في أحد المواقع القريبة من النظام إن الدخول إلى أحد تلك المراكز "يحتاج لعدد كبير من الموافقات من هنا وهناك، وعادة ما يكون دخول الإعلام إلى تلك النقاط مبرمجاً ومرافِقاً للزيارات التفقدية للمسؤولين، لتبقى أسرار تلك النقاط بعيدة عن عيون الإعلام".
الحياة داخل المراكز
التواصل مع القاطنين في تلك المراكز أمر صعب وخطير على من يحاول ذلك، خاصة إذا كان مع وسيلة إعلام ليست صديقة للنظام. ورغم ذلك نجح "العربي الجديد" في التواصل مع أحد الأشخاص المقيمين في مركز الدوير عبر طرف ثالث. ويقول هذا الشخص الذي سمى نفسه أبو ماجد، وهو في الخمسينيات من العمر، ويقيم في المركز قبل وصول الدفعات الأخيرة من المهجرين، إن الحياة هناك صعبة للغاية حتى قبل قدوم أهل الغوطة بسبب الاكتظاظ الكبير للسكان وتدني مستوى الخدمات، فضلاً عن تقييد حركة الخروج من المركز البعيد أصلاً عن المدينة.
ويضيف أبو ماجد: "هنا كل شيء مقيد. الطعام والاستحمام، والحركة والدخول والخروج. ليس لك أية خصوصية، وكثيراً ما تحدث مشاحنات بين القاطنين بسبب الاحتكاكات اليومية على الطعام والنظافة والاستحمام. لا تستطيع الفتاة الذهاب وحدها إلى الحمام المشترك المجاور لحمام الرجال، وعادة ما يرافقها واحد أو أكثر من أفراد العائلة لمنع التحرش بها، أو التلصص عليها وهي داخل الحمام". وإضافة إلى مشكلة الازدحام، والمشكلات الناتجة عن تشارك عدة عائلات غرفة واحدة، يشير أبو ماجد إلى ندرة توفر المياه والكهرباء التي تشكل أزمة في المركز حتى قبل قدوم المهجّرين الجدد، وخصوصاً أن المنطقة هي شبه صحراوية، وتعاني أصلاً من نقص حاد في المياه. ويقول إن الوضع داخل مركز منطقة حرجلة يبقى أفضل نسبياً لأنه مجهز على شكل وحدات سكنية صغيرة تضم مطبخاً وحماماً، ما يعطي بعض الخصوصية للعائلات، لكن الانتقال إلى هناك غير متاح، وهو أمر محصور بيد إدارة المركز والجهات الأخرى التي توزع المهجرين على المراكز.
عمليات إخلاء
وكانت محافظة دمشق، بدأت قبل عدة أشهر في إخلاء "مراكز الإيواء المؤقتة" في العاصمة، مثل تلك الموجودة في المزة ودمر والزاهرة، وإعادة بعض قاطنيها إلى مناطقهم بعدما سيطرت عليها قوات النظام مؤخراً، أو ترحيلهم إلى مراكز إيواء بعيدة، خارج الحدود الإدارية لدمشق وخاصة مركز الدوير بالقرب من عدرا ، ومركز حرجلة في الريف الجنوبي الغربي للعاصمة، مع إبقاء عدد من المراكز في أحياء الزاهرة ومساكن برزة. وعمدت المحافظة مدعومة بدوريات من الشرطة والمخابرات الى إخلاء أكثر من 10 مراكز، وتخفيض عدد مراكز الإيواء في العاصمة، من 20 إلى النصف في المرحلة الأولى، قبل أن يصدر قرار نهائي من المحافظة ووزارة الشؤون الاجتماعية، بإخلاء جميع مراكز دمشق من دون استثناء، ونقل قاطنيها إلى خارج دمشق، وسط اتهامات لبعض قاطني تلك المراكز بأن لهم صلة بتفجيرات وحوادث أمنية وقعت في دمشق. وقد تأجل إخلاء بعض تلك المراكز، إثر احتجاجات من قاطنيها، بسبب رفضهم مغادرتها باتجاه مراكز بعيدة عن المدينة، وانعدام فرص العمل في محيطها، والتشديد الأمني على القاطنين فيها، فضلاً عن عدم قدرة معظمهم على استئجار منازل خاصة. ومع ذلك، قررت عشرات العائلات البقاء في مدينة دمشق، والبحث عن منازل أو غرف للإيجار، خاصة تلك التي تمكن بعض أفرادها من الحصول على فرصة عمل في العاصمة، وسجلت أطفالها في المدارس القريبة، بعد معاناة طويلة مع وزارة التربية، رغم إجبارهم على التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى المركز، أو اللجوء إلى المحافظة لإيجاد مكان يؤويهم، إذا ما قرروا استئجار منزل أو الإقامة عند أحد أقاربهم خارج المركز.
ويقول أحد المواطنين ممن تواصلت معهم "العربي الجديد"، وهو مدرّس يدعى سعيد، كانت عائلة شقيقه من العائلات التي تقطن في مركز الزاهرة، إن العديد من العائلات رفضوا الانتقال إلى مراكز بعيدة في الدوير وحرجلة، وظلوا مشردين في الشوارع، أو ضيوفاً لدى أقاربهم ويبحثون عن غرفة أو منزل صغير بمستوى إمكاناتهم بدل النوم في الشوارع والحدائق العامة، بينما مَن تم نقلهم إلى تلك المراكز هم من أبناء المحافظات البعيدة مثل الرقة ودير الزور ممن لا أقارب أو معارف لهم في العاصمة ومحيطها. ويقول سعيد إن ما يدعو المهجرين إلى تجنب الانتقال من تلك المراكز، مجموعة من الأسباب من بينها: بُعدها عن المدينة، واستقرار كثير من العائلات وتسجيل أطفالهم في المدارس بعد معاناة كبيرة، وعثور بعض أرباب العائلات على فرصة عمل في دمشق، ثم التشديد الأمني الكبير في مركزي حرجلة والدوير، وعدم السماح للعائلات بالخروج من المركز حتى لو حصلوا على عقد إيجار، فيطلب منهم الحصول على موافقة أمنية قد تستغرق أشهراً، وقد تنتهي بالرفض، فضلاً عن عمليات التجنيد الإجباري في صفوف المهجرين.
سرقة المساعدات
وفضلاً عن كل ذلك، يشكو أغلب القاطنين في تلك المراكز من السطو على المساعدات التي تقدم إليهم من المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية، خاصة الأجنبية منها، ما يتسبب في تضاؤل تلك المساعدات وعدم الانتظام في توزيعها. وبحسب بعض الناشطين، فإن المشرفين على استلام وتوزيع تلك المساعدات خاصة في محافظة دمشق، يتبعون أساليب عدة في سرقتها مثل التلاعب في عدد العائلات المحتاجة، بينما تتعرض السيارات المخصصة لتوزيع المساعدات لمصادرة كميات كبيرة من محتوياتها من قبل الحواجز الأمنية التابعة للنظام قبل وصولها إلى مراكز المهجرين. كما أن المسؤولين عن توزيع المساعدات في المحافظة يرتبط العديد منهم مع مسؤولين أمنيين يحصلون على حصة مما يتم توزيعه، وترفض المحافظة السماح للمتبرعين بالتواصل مباشرة مع العائلات المحتاجة، وتصر على حصر تقديم المساعدات عبرها. وتظهر نتيجة هذه السرقات في الأسواق والمتاجر التي تمتلئ بالمساعدات المسروقة وعليها شعار الأمم المتحدة والهلال الأحمر.