مدينة نائمة على رفِّ صيدلية

04 مايو 2015
تيسير بركات / فلسطين
+ الخط -

الجداجدُ تختبئُ في النايات
الفيلةُ تختبئُ في البيانو
الأسودُ تختبئُ في الأكورديون 
الحميرُ تختبئُ في الطبلة
الدلافينُ تختبئُ في الجيتار
الثيرانُ تختبئُ في الساكسفون 
الحيتان تختبئ في الدرمز
الغرابُ يختبئُ في الدفِّ 
العناكبُ تختبئُ في آلة القانونِ
الطيورُ تختبئُ في الكمانِ 
كلُّها تبكي ضياعَ أوطانِها.

***


في جذورنا الأسى
في رؤوسنا الحنين
في القلب فراغٌ
في الأيدي هواءٌ شحيحٌ
تحت أقدامنا جمرٌ
تغلي الحياةُ في عروقنا بقوِّةٍ أكثر ممَّا يجب
حياةٌ فائضةٌ عن الحاجة.


***


نجوم النسيان لا تلمع في سمائنا 
عثٌّ كثيرٌ على فراشنا
البشرُ يبحثونَ عن إِبَرِ الأمل 
المدينةُ نائمةٌ على رفِّ صيدليَّةٍ 
هكذا تجمَّد الهواءُ على مدخل المدينة.

***


عاهراتٌ يبعن القبلات على مداخل أنفاق الملائكة
في الاتجاه الخاطئ 
تائهٌ عن جذرك 
راحلٌ صوبَ الأشياءِ الأكثر عتمة
دون أن تعرفَ أنَّ نجم الشمال تحطَّم في مبولة 
وأنَّ القوافلَ يقودُها الآنَ قمرٌ صناعيٌّ مخمورٌ.


***

سيأخذُ الحزنُ شكلَ الريح 
كمائنُ من الميتافيزيقيا 
العقاقيرُ من الحشرات والقطران 
تمضغُ الهواءَ وتطحنُ الريحَ 
ثورٌ مريضٌ بالإيدز يطوفُ الحظائرَ والشوارعَ 
أن تعيشَ يبدو الأمرُ كنَزْعِ ضمَّادةٍ عن جُرحٍ طازجٍ

***


باسمِ من الآنَ ستخوض حروبك؟ 
مِيتةٌ تحت الشمس تليق بك 
لا تبتسمُ لك الحياةُ 
أمضيتَ حياتَك خائفاً تتناولُها كعقاقير 
قشرتُها رقيقة ككبسولة

***


إيقاعك في الحياة بطيء
لغتُكَ فقيرةٌ لكثرة عُزلاتك المتواصلة 
أنت نصٌّ فارغٌ ليس فيه إلا العنوان 
مشروعُ حالمٍ سيتحطَّمُ سريعاً.


***


تُكثِرُ من تكديسِ الكتب كوسيلةِ حمايةٍ 
خلفَ جدران الكتب يخفت الإحساس بالموت.


***


أحذِّرُ طفلي إلياس من البحر:
إنَّه مخادعٌ، 
لا تبتعد، سيسحبك الموج 
يسألني طفلي إلياس: كيف يمكن للبحر أن يكون مخادعاً وليس له عقل؟
أتعرف لماذا ليس للبحر عقل؟
أفشل في الإجابة، 
فيتبرَّعُ مجيباً: لأنَّهُ مهما كَبُر هذا العقلُ سيظلُّ صغيراً على جسد البحر.


***


إنَّها جولتك 
حسناً
أُريدُ كأساً أخرى.


***


أتعاركُ مع حمارٍ وحشيٍّ داخل خزانتي حول بيجامتي المخطَّطة
يظنُها الحمارُ أحدَ إناثِ القطيعِ
يحدث أسوأُ من هذا حينما يحْتلُّك الشعر.


***

يَرصُّوننا في صناديقَ ذخيرةٍ ويطلوننا بالدهون والزيوت
حروبهم كثيرةٌ وسريعةٌ 
سيحتاجنا السفلةُ قريباً.

***


أعمل في معمل يُصْنَعُ فيه بشرٌ وفق المقاييس العصريَّة
بلا قلوب وأدمغة.


***


بسرعةٍ تدور عقارب الساعات كمحكومٍ بالموت فارٍّ من سجن.


***


وجودي ضبابيٌّ في كلِّ العوالمِ 
كي لا يكون ليَ وجودٌ واضحٌ.


***


الحياة مجرَّد ميِّتٍ يتقلَّبُ.


***


عمَّالُ مناجمَ يُحضِرون لي ما يستخرجونه
مرَّةً أحضروا لي شمساً متفحِّمةً هشّمتْها أطرافُ الفؤوسِ.


***


حتَّى الكائناتُ الحقيرةُ لا تُريدُ أن تموتَ 
رغم أنَّ الموتَ هو الإنجازُ الوحيدُ للكائناتِ الجبَّارةِ على هذه الأرض.


***


في كوستاريكا الكلُّ يهربُ من شيئين:
امتلاك ماضٍ 
وامتلاك جيشٍ
في بلادي يهربُ الناس من شيءٍ واحد: امتلاك وطن.


***


مضخَّتي تضُخُّ: 
الماءَ، الزيتَ، الفضلات، الدمَ، الأحلامَ، الفراغَ، الضفادعَ، القملَ
أنا مُكلّف بإغراق العالم.


***


أُشبِهُ عملةً قديمة مُلغاة 
أجْذِبُ الأطفالَ والحمقى وعاشقي جَمع الخُردة.


***


الشيطانُ يُريد تطهيرَنا
المرأةُ تُريدُ تطهيرَ الرجلِ 
الحياةُ تُريدُ تطهيرنا 
الموتُ يُريد تطهيرنا 
العسكرُ يُريدونَ تَطهيرَنا
العائلةُ تُريد تطهيرَنا
الملائكةُ تُريدُ تطهيرَنا 
النارُ تُريد تطهيرنا 
الأمطارُ تريد تطهيرَنا
الشمسُ تُريدُ تطهيرَنا 
الترابُ يُريدُ تطهيرَنا 
القبورُ تُريدُ تطهيرَنا
يا للهولِ، الكلُّ يرانا قِطَعَ غائطَ.


***


في داخلِ قفصي السرِّيِّ ريشُ كلماتٍ ميِّتَةٍ
في داخلِ قفصي الصدرِيِّ وَجدْتُني مغمى عليَّ بلا نبضٍ
في داخل قفصي الصدرِيِّ مطحنةُ صخورٍ 
في قفصي الصدرِيِّ تُقيمُ طيورُ اليأسِ والكثيرُ الكثيرُ من الكلماتِ الغاضبةِ


***


القرونُ الميِّتةُ تلمعُ كَعُملةٍ قديمةٍ
في حصَّالتي أَدُسُّ السنواتِ الميِّتةَ


***


أُهرِّبُ قوافلَ محمَّلةً بالنياشينِ إلى مدنِ بلادي البعيدةِ 
فالكلُّ هناك شعراءُ وقادةٌ وأنبياءُ ومفكِّرون وفلاسفةٌ وملائكةٌ وتقدميُّون وخبراء ومثقَّفون ومخططين 
لا سفلةَ في بلادي التي تُشبه كيسَ البصلِ 
أينما دسَسْتَ يدكَ ستقبضُ على رأسِ بصلٍ 
كُلُّهم رؤوسٌ.


***

العالمُ، العدمُ، الموتُ، اليأسُ، الفراغُ 
كلماتٌ صغيرةٌ وقليلةٌ كلماتُ مفردةُ فتكتْ بي وبجموعِ البشرِ


***


وجدتُ نفسي هنا في باحةِ السجْنِ 
لا أعرفُ رَقَمَ زنزانتي ولا إن كُنتُ اقتُدتُ من زنزانةٍ أصلاً 
أو قُذِفْتُ إلى داخل هذا السجن المهجورِ
حتَّى أنَّني لم ألتقِ بسجينٍ ولا بِسجَّانٍ 
طعامي قُذِفَ من نافذةٍ صغيرةٍ 
قصائدي يُهرِّبُها غرابٌ مُثقَّفٌ.


***


لستُ متشائماً
لكنَّ الأشياءَ تُريني نصفَها المُعتمَ 
وأنا لا نصفَ مضيءَ لي.


***


لماذا نحنُ هُنا؟ 
كي تسألَ نفْسَكَ هذا السؤال


***


ما بيني وبين الله تُخبِّئُهُ قُبَّعةُ القشِّ على رأسي


***


قِرَدَةٌ غاضبةٌ أمام بيتيَ تُريدُ موزاً وطعاماً
لا أملكُ غير دواويني أقذِفُها بِها


***


الحياةُ عاهرةٌ لا تُفكِّرُ بِعائلةٍ ومستقبلٍ


***


الإنسانُ بلا شِعرٍ، بلا حُلُمٍ، بلا روحانيَّاتٍ، بلا أُفْقٍ مفتوحٍ، بلا خيالٍ سليمٍ عبارةٌ عن مبولة.


***


سماءٌ لا تُساعد أحداً 
صفَّاراتُ الإنذارِ تُزعجُ الموتى المدفونينَ كأرقامٍ في الأضابيرِ المُغبرَّةِ والأرشيفِ المنسِيِّ في قبوِ السماء.


***


الزمنُ مُحمَّلٌ على عربةٍ مربوطةٍ أمام حصان العدم 
حذاءٌ يخترعُ أقدامَ حصانٍ يأكلُ أطرافَ الزمنِ
افتحْ خيالَكَ قليلاً، ترى الأفق مرصَّعٌ بكائناتٍ تُحِيِّيكَ، 
حصانُ العدمِ جاهزٌ لتمتطيهِ


***


لا تمضِ حياتَكَ تحتَ سقفٍ حتَّى لو وجدتَ شجرةً في عُنُقهِا فأسٌ ترتمي على بابك 
العراءُ غذاءُ الكائنات الراغبةِ بالغناءِ 
سيتحتَّمُ عليكَ أن تُقاتِلَ جيشاً من عقاربِ الساعات في شوارعِ المُدُنِ 
الشوارعُ لن تُعامِلَ قدمكَ على أنَّها سفينةٌ.
تحت السقوفِ سيتحَتَّمُ عليكَ تنظيفُ طاولةِ العدم تحت سقْفِ العَراءِ لا تشعرُ التلالُ بالخوفِ 
سيكونُ طحينُ حُطامِ السماوات غذاؤُكَ الوحيدُ 
لا تَعش تحت سقفٍ
كُن كالخيلِ مخلوقاً من ريحٍ
على زُجاج غيمةٍ بإمكانك حَلْقَ ذقنك 
الشمسُ تكوي ثيابَكَ
الريحُ تُمَشِّطُ شَعْرَكَ 
راقبْ كيف تتغوَّطُ الريحُ على المُنحدرات
لا تقتربْ من مدينةٍ 
حتَّى الغيماتُ تُصابُ بالروماتيزم حين تَمُرُّ فوق مدينةِ
الحياةُ غيمةٌ تائهةٌ في صيفِ سماءٍ طويلٍ 
الغيومُ قطنٌ يسيلُ من أريكةِ السماءِ المبقورةِ
بإمكانكَ أن تنامَ على أريكةِ السماءِ 
لا تعش تحت سقفٍ 
عندما تشيخُ ستصيرُ غيمةً جافَّةً مُصابةً بالزهايمر لا تتذكَّرُ إلَّا عشرين سماءً على الأقلِّ
عندما تشيخُ ستجلسُ بجانب سروةٍ تُدخِّنُ تحت سماءٍ صافيةٍ وترقُبُ كيف يموتُ العالمُ على المنحدرات


***


ينزعُ خارطةَ العالمِ ويحشوها بالتَّبغِ
يريد أن يدخِّنَ العالمَ ويُشعلَ فيه الكثيرَ من الحروب الأهليَّة 
تراكتورات الموت تحرث شوارع العالم 
سيساعد في تمزيق أيِّ دولةٍ في آخر أنفاسها
الدولُ مثلَ العاهرات، لا جدوى منها حين تشيخُ 
يُشارك الرعاعُ في تخريب مدينة عصريَّةٍّ 
يَسُدُّون مداخلَ المُدنِ بِحطامِ توابيتٍ 
به رغبةٌ لا تُردُّ في العودة لبربريَّته الأولى 
يُطلق سراح الرجل المتوحِّش داخله
لكنَّه توقَّفَ في مُنتصفِ المدينة
لم يُشارك في التخريبِ
انتزعَ لوحةَ إعلانات وعاد لكهفِهِ 
هذا ما أرادهُ
أن يعودَ لكهفه 
فيهِ يتأمَّلُ لوحةَ الإعلانات
للصدفةِ مكتوبٌ عليها: واقياتٌ ذكريةٌّ بنكهات.


***


حُلُمُهُ أن يُدفن في قبرٍ فرديٍّ بجثَّةٍ كاملةٍ 
لا يُريدُ أن يموتَ في مجزرةٍ جماعيَّةٍ.


***


الحياةُ قملةٌ في رأسِ الموت 
الموتُ قملةٌ في رأسِ الحياة 
لذلك بادَرَ بقطع الرؤوس جميعها.


***


لا أساعد أحداً
العمرُ
قصيرٌ 
المياهُ عميقةٌ
لديَّ قاربٌ يتَّسعُ لشخصٍ واحدٍ.


***


رأيتُ عيوناً زرقاءَ فتذكَّرتُ أنَّني شراعُ سفينةٍ
رأيتُ عيوناً بُنِّيَّةً فتذكَّرتُ أنَّني شجرةُ قهوةٍ 
رأيتُ عيوناً عسليَّةً فتذكَّرتُ أنَّني ذكرُ نحْلٍ 
رأيتُ عيوناً خضراءَ فتذكَّرتُ بأنَّني سروةٌ 
رأيتُ عيوناً رماديَّةً فتذكَّرتُ بأنِّي رمادُ فحمةٍ
رأيتُ عيوناً سوداءَ فتذكَّرتُ بأنِّي أعمى.


***


يطؤُكَ العالمُ بقسوةٍ لأنَّ حضورَكَ كان خفيفاً
جرِّب الاستعانةَ بالميتافيزيقا لاقتحام ذاتك المستعصية.



* شاعر فلسطيني مقيم في نيكاراغوا 

المساهمون