محمد مهاني يعزف بقلبه

غزة

إيمان عبد الكريم

avata
إيمان عبد الكريم
17 يناير 2016
1117FF80-B007-430B-B344-BD5D48D40B58
+ الخط -

بيديه الصغيرتين، يعزفُ على أوتار العود بحرفية عالية. ومن خلال الألحان التي يعزفها، يبصر الجمال، هو الذي حرم من النظر منذ عامه الأول. لم يستسلم لهذا الواقع، هو الذي تبدو أحلامه أكبر منه. في المستقبل، يريد أن يصير محامياً كي يرفع الظلم عن الناس. هو محمد مهاني (13 عاماً) من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة.

فقد مهاني بصره حين كان عمره عاماً ونصف العام، بحسب والده. منذ ذلك الوقت، وهو يطارد الأمل في كل مكان. خضع لأكثر من 37 عملية جراحية، كانت أولها في مصر. في ذلك الوقت، قيل لوالديه إن عينه اليمنى لا أمل في شفائها. يقول: "أخبرنا الأطباء أن أعصاب العين ميتة تماماً ولا يوجد أي طريقة علمية لعلاجها. وكانت عينه اليسرى أفضل حالاً ويمكنه رؤية خيالات فقط. قبل أشهر عدة، خضع لآخر عملية في نابلس في الضفة المحتلة، بعدما رفض الاحتلال الإسرائيلي علاجه في أحد مستشفياته". هذه المرة أيضاً، أخبره الأطباء أن عصب العين ضعيف جداً ولا يمكن علاجه حالياً".

اليوم، مهاني في الصف الأول الاعدادي في مدرسة النور والأمل للمكفوفين، وهي مدرسة خاصة بذوي الاعاقات البصرية في مدينة الزهراء وسط قطاع غزة. قبل ثلاث سنوات، اكتشف الأب أن ابنه يحب العزف على الطبلة، لكنه فضل تلبية شغفه من خلال تعليمه العزف على آلة أخرى. يقول: "حاولت إقناعه بالعزف على آلة العود، وبادرت بتسجيله في معهد إدوارد سعيد للموسيقى. وخلال جلسة الاستماع للجنة والأساتذة الموسيقيين في المعهد، أعجبوا بذكائه وقدرته على الحفظ وتمييز النوتات والمقطوعات الموسيقية، حتى أنهم أعفوه من الرسوم السنوية".

من خلال الموسيقى، استطاع أبو محمد تعويض ابنه، ولو قليلاً، عن مشكلة فقدان البصر. يضيف: "بعد آخر عملية أجريناها له، اكتشفت أنني لن أستطيع فعل شيء آخر غير الدعاء له باستعادة بصره". يحزنه أنه لم ير شيئاً من الدنيا، وما زال صغيراً. في الوقت نفسه، يعرب عن مفاجأته الدائمة بقدرات ابنه الكبيرة وإبداعه اللامحدود. يقول: "فاجأني بأدائه الموسيقي وحبه للعود على الرغم من أن الدروس الأولى كانت صعبة. لكنه مصر على متابعة مسيرته".

وعلى الرغم من أنه لم يمر وقت طويل على تعلم مهاني العزف على العود، إلا أنه استطاع الحصول على المركز الثاني في مسابقة المعهد على مستوى فلسطين، وقد كرّم من قبل المعهد وأساتذته في غزة والضفة الغربية، الذين أعجبوا بقدراته وموهبته الكبيرة.
من جهته، يقول مهاني: "بداياتي مع العود كانت صعبة، ولم أكن قادراً على تحديد النوتات الموسيقية، والانتقال من نوتة إلى أخرى من دون إحداث خلل في النغمة. لكنني أصريت على التعلم. وبسبب صبر المدرسين، استطعت حفظ دروسي جيداً، وتمرين أصابعي على الأوتار من دون الحاجة إلى رؤيتها".

يحكي مهاني عن إحدى أهم لحظات حياته، وتحديداً في اختبار المعهد حين مثل أمام لجنة من الأساتذة الموسيقيين الفلسطينيين والأجانب، وكانت والدته برفقته. يقول: "قبل أن يحين دوري لأجيب على أسئلة الأساتذة، كنت أجيب على جميع الأسئلة التي تطرح على التلاميذ الآخرين. وكانت أمي لا تصدق أنني أجيب على جميع الأسئلة ببراعة. بعدها، حان دوري في الاختبار واستطعت الإجابة على جميع الأسئلة، ما جعل اللجنة والحضور يقفون ليصفقوا لي".

ليس العزف على العود هو كل ما يجيده مهاني. فهو يلعب الكاراتيه أيضاً، وقد سجلته والدته في إحدى الدورات التدريبية التي أعلنت عنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ونادي المشتل الرياضي قبل ستة أشهر، لينخرط في اللعبة ويتقنها.
لكن حاله حال غيره من الموهوبين في غزة، تصطدم الأحلام بقلة الإمكانيات في القطاع، وبالتالي عدم القدرة على تطوير القدرات والتعلم بشكل احترافي أكثر.

من جهة أخرى، يشير مهاني إلى أنه يعاني بسبب قلة تواصله مع العالم، وعدم توفر أجهزة تكنولوجية حديثة يستطيع من خلالها التعلم من خلال السمع، لافتاً إلى أن البرامج الخاصة بالمكفوفين، والتي تساهم في تطوير قدراتهم، مرتفعة الثمن. يضيف: "تواجهني مشكلة أخرى وهي عدم قدرتي على الذهاب بشكل دائم إلى حصص الموسيقى أو الكاراتيه. لدى والدي انشغالاته الكثيرة وعمله الذي يمنعه أحياناً من تلبية التزاماتي. كذلك، أنا في بحاجة إلى عود خاص بي كي أستطيع التدرب بشكل يومي في المنزل. فأنا أستعير العود الخاص بالمعهد، إلا أنه لا يكون معي في معظم الوقت".

لدى مهاني ثلاث أمنيات يطمح بل ويعمل على تحقيقها في حياته. يقول: "بما أنني الأول في المدرسة، أرغب في إكمال تعليمي كي أحصل على شهادة المحاماة". يتابع: "أرغب في تطبيق القانون ورفع الظلم عن الناس". أما حلمه الثاني، فيرتبط بحبه للموسيقى. يقول: "أريد أن أصير عازفاً ناجحاً على مستوى العالم. أما حلمه الأخير فهو تحقيق المركز الأول في بطولات الكاراتيه العالمية ورفع اسم فلسطين عالياً في هذه الرياضة".

ذات صلة

الصورة
عمال إنقاذ وسط الدمار الناجم عن غارة جوية على غزة، 7 نوفمبر 2024 (Getty)

سياسة

زعمت القناة 12 العبرية، أمس الاثنين، أن الإدارة الأميركية قدّمت للسلطة الفلسطينية مقترحاً بشأن الإدارة المستقبلية لقطاع غزة
الصورة
استعداد لاستقبال الأسرى أمام سجن عوفر (العربي الجديد)

مجتمع

تشكّل قضية معتقلي غزة في سجون الاحتلال التّحدي الأبرز أمام المؤسسات المختصة مع استمرار جريمة الإخفاء القسري، التي طاولت الآلاف من معتقلي غزة
الصورة
جهود إنقاذ بأدوات بدائية في شمالي غزة (عمر القطاع/فرانس برس)

مجتمع

تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية البرية في محافظة شمال غزة مخلفة مئات الشهداء والمصابين، فضلاً عن تدمير عشرات المنازل، وإجبار الآلاف على النزوح.
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
المساهمون