15 مارس 2021
محمد علي يكسر رجولة الرئيس
انبنت، في عامي 2013 و2014، شعبيةٌ للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، روجها إعلامه وأنصار له، على قيم وأفكار تعلقت بشخصه، وأشاعتها حملاته للانتخابات الرئاسية في محافظات مصر، حتى أنهم ألصقوا صورته على علب الشوكولا، واختارت عرائس "شبكة السيسي"، وسمّى آباء مواليدهم الجدد باسمه، وتغزلت به مقالات رأي في الصحافة المحلية. وارتبطت أبرز الأفكار التي روجت بها شرعيته بصفات إيجابية راسخة ولا زمنية في المخيال الشعبي.. القوة، الانتماء العضوي للشارع أو الـ indigeneity، التواضع، اللغة البسيطة، "الجدعنة" أو المروءة، الكدح. وبالتالي، جاءت التصاميم والشعارات والأغنيات الشعبية لتدعم "أسد القوات المسلحة"، بما فيها من دلالات القوة المادية والمعنوية، لتروّج نشأته في منطقة الجمالية الشعبية في القاهرة، كونه يتحدّث بلسان الشارع حتى في خطاباته الأولى وشعارات الحملة الانتخابية. وكذا إشاعة فرحة "الانتصار" على الإرهاب بالرقص في المجال العام، التركيز على انتمائه لأسرة محافظة عصامية، كان همها الدراسة والعمل والترقي الاجتماعي، كغالبية الشعب المصري، كونه ظاهر التدين، يحضر في ماضيه دروس الشيخ متولي الشعراوي الذي يُنسب له تديّن العوام في مصر. وبهذه المضامين، غزت صورة السيسي الأحياء الشعبية في مصر، خصوصا الجمالية والأزهر والحسين في القاهرة القديمة، لتظهره "ابن البلد شيال الحمول" الذي يحمل عن مصر جبال الهموم على "قفة" معلقة بظهره، وتظهره في البزّة العسكرية التي تعكس دلالات "الوطنية" و"الكدح" في نفوس أبناء شعب فقير، يجنّد أبناؤه إجباريا في الجيش، ليقدّموا عمالة مجانية للواءات والقيادات العسكرية..
باختصار، كان ترويج عبد الفتاح السيسي رمزًا لشعب كادح مكافح، ومحافظ، يحتل الجيش في مخياله السياسي مركزًا مقدّسا، وينجذب أبناء الطبقة الدنيا والوسطى إلى هذا الجيش، فيشكلون غالبيته الساحقة.
للأسباب نفسها، ذاعت فيديوهات المقاول الممثل، محمد علي، كالنار في الهشيم. لأنها لم تأت من "سياسيين معارضين"، ولا من "منافسين حزبيين"، أو منافسين من داخل قطاعات الدولة
ومؤسساتها، بل جاءت من ابن العجوزة، سليط اللسان الذي يكدح لأجل الكسب والترقي الاجتماعي، تماما مثل سائر المواطنين والسيسي وأسرته التي أتى حكمها على البلاد بسنوات الفقر والعوز والجوع، بينما الرئيس وأهله والأقارب والأصدقاء يهنأون بثروات طائلة.
صوت محمد علي هو صوت الطفل الذي صاح في نهاية "الملك العاري" إن الملك يمشي وليس عليه شيء، بينما يتظاهر الكل والملك أولهم أنه يلبس أزهى ثياب الحرير والذهب، أو كما يتظاهر الرئيس ومؤيدوه بإصلاح البلاد وإنقاذها أو الدفاع عن كرامتها، بينما تدس النخبة الحالية جبين مصر في الطين، وتثقل الأحياء، ومن في حكمهم مستقبلا، بديون طائلة لا داعي لها إلا إشباع نهم تلك النخب للمال والثراء الفاحش. وكما لا يرغب أحد في أن يكون الصوت الوحيد المعارض بعيدا عن البقية، فـثقافة القطيع نفسها هي التي تسهل الاستغفال، كما الإفاقة، فالناس يتبعون بعضهم بعضًا في النهاية.
يصيح محمد علي، كل يوم، بانتفاء وجود أي "قوة" أو "كرامة" أو "مروءة" في شخص الزعيم المؤلّه، فبالقدر الذي يمارس فيه الاستعلاء والتجبر على الشعب، بزج آلافٍ في السجون وتشريدهم واختطافهم، وقتلهم خارج إطار القانون، وبالقانون بمسمّى سياسات التجويع.. بالقدر الذي يبدو به ضعيفا خجولا مكسور الجناح أمام الرؤساء الغربيين وعظيم الانتشاء بـ "قبولهم" لقاءه والظهور معه، في تمظهرٍ أقرب ما يكون إلى وصف إدوارد سعيد الشرق بأنه "القابلية لتكون امرأة" (femininely penetrable)، وهو المعنى نفسه الذي أبرزه مصوّرون في أثناء لقائه بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وأشار إليه محمد علي، في أكثر من موضع - "مكياج" الرئيس، مقارنته بالنساء لصالحهن في المناطق الشعبية، ارتعاشه قبل لقاء ولي العهد محمد بن سلمان...إلخ.
ظهور هذا الشاب "الحوارتجي"، ضئيل التعليم وقليل الثقافة، حتى اللغوية والدينية التي تجعله يقول "حوسبنا الله ونعم الوكيل"، وكسره تابو "الرجولة" والقوة التي كانت في صلب شعبية الرئيس المصري، صياحه بانعدام الضمير والمنطق في توجيه السياسات الخاصة قبل العامة. وأخيرا طلبه مواجهة السيسي "مواجهة رجل لرجل"، لا مناظرة فكرية، ولا مطالب بتعديل قوانين ولا دساتير، أو غيرها مما يندرج في معارضة سياسة مؤسسات الدولة، كونه يطلب من الـ رئيس "الرجل" أن يواجهه كـ "رجل" مواجهة عادلة. وهذا كله هو في الحقيقة ما ينذر بتغيير كبير مرتقب من داخل الجيش، تغيير يستبطن العقلية نفسها التي جاءت بالجنرال المكلوم.
للأسباب نفسها، ذاعت فيديوهات المقاول الممثل، محمد علي، كالنار في الهشيم. لأنها لم تأت من "سياسيين معارضين"، ولا من "منافسين حزبيين"، أو منافسين من داخل قطاعات الدولة
صوت محمد علي هو صوت الطفل الذي صاح في نهاية "الملك العاري" إن الملك يمشي وليس عليه شيء، بينما يتظاهر الكل والملك أولهم أنه يلبس أزهى ثياب الحرير والذهب، أو كما يتظاهر الرئيس ومؤيدوه بإصلاح البلاد وإنقاذها أو الدفاع عن كرامتها، بينما تدس النخبة الحالية جبين مصر في الطين، وتثقل الأحياء، ومن في حكمهم مستقبلا، بديون طائلة لا داعي لها إلا إشباع نهم تلك النخب للمال والثراء الفاحش. وكما لا يرغب أحد في أن يكون الصوت الوحيد المعارض بعيدا عن البقية، فـثقافة القطيع نفسها هي التي تسهل الاستغفال، كما الإفاقة، فالناس يتبعون بعضهم بعضًا في النهاية.
يصيح محمد علي، كل يوم، بانتفاء وجود أي "قوة" أو "كرامة" أو "مروءة" في شخص الزعيم المؤلّه، فبالقدر الذي يمارس فيه الاستعلاء والتجبر على الشعب، بزج آلافٍ في السجون وتشريدهم واختطافهم، وقتلهم خارج إطار القانون، وبالقانون بمسمّى سياسات التجويع.. بالقدر الذي يبدو به ضعيفا خجولا مكسور الجناح أمام الرؤساء الغربيين وعظيم الانتشاء بـ "قبولهم" لقاءه والظهور معه، في تمظهرٍ أقرب ما يكون إلى وصف إدوارد سعيد الشرق بأنه "القابلية لتكون امرأة" (femininely penetrable)، وهو المعنى نفسه الذي أبرزه مصوّرون في أثناء لقائه بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وأشار إليه محمد علي، في أكثر من موضع - "مكياج" الرئيس، مقارنته بالنساء لصالحهن في المناطق الشعبية، ارتعاشه قبل لقاء ولي العهد محمد بن سلمان...إلخ.
ظهور هذا الشاب "الحوارتجي"، ضئيل التعليم وقليل الثقافة، حتى اللغوية والدينية التي تجعله يقول "حوسبنا الله ونعم الوكيل"، وكسره تابو "الرجولة" والقوة التي كانت في صلب شعبية الرئيس المصري، صياحه بانعدام الضمير والمنطق في توجيه السياسات الخاصة قبل العامة. وأخيرا طلبه مواجهة السيسي "مواجهة رجل لرجل"، لا مناظرة فكرية، ولا مطالب بتعديل قوانين ولا دساتير، أو غيرها مما يندرج في معارضة سياسة مؤسسات الدولة، كونه يطلب من الـ رئيس "الرجل" أن يواجهه كـ "رجل" مواجهة عادلة. وهذا كله هو في الحقيقة ما ينذر بتغيير كبير مرتقب من داخل الجيش، تغيير يستبطن العقلية نفسها التي جاءت بالجنرال المكلوم.
مقالات أخرى
26 يناير 2021
08 اغسطس 2020
29 مايو 2020