15 مارس 2021
عن تكدّس المستشفيات والزنازين في مصر
في وقت تعلن وزارة الصحة المصرية امتلاء مستشفيات العزل إلى أقصى طاقتها، يبدو أن الطاقة الاستيعابية للسجون لا تخضع لشروط الحجم والمكان الفيزيائية، على الأقل في نظر مشرعي القوانين التي أقرت أخيرا عقوبة الحبس لمخترقي قرار حظر التجول. فبحسب البيانات الرسمية، اعتقلت السلطات 30 ألف مواطن في الأسبوعين الماضيين، بزعم خرق قواعد حظر التجول التي بدأ إنفاذها الجدي مطلع شهر مايو/ أيار الجاري. والحقيقة أنه لا يمكن إلقاء اللوم على المواطنين في ارتفاع معدلات الإصابة اليومية بفيروس كورونا إلى أكثر من 300 حالة يوميًا، فالسلطات نفسها التي أعلنت الحظر منذ منتصف شهر مارس/ آذار لم تتخذ الإجراءات الكافية لفرضه في موعده، وفي بدء الأزمة، لتلافي ما تواجهه مصر اليوم. ومن ناحية أخرى، الحزم الشديد الذي اعترى قرارات غلق المساجد والكنائس للصلوات، والحزم الشديد في ما يتعلق بتناقل أنباء الإصابات على المنصات الاجتماعية، لم يوازِه حزم بالدرجة نفسها في فرض مواعيد حظر التجول، بل بدا كأن السلطات تدعو الناس إلى المبيت مبكرًا في منازلهم، بالنظر إلى ساعات الحظر التي تمتد من التاسعة مساءً، بعد ساعات الذروة الخاصة بعودة الموظفين، إلى السادسة صباحًا، حين تبدأ حركة تنقل الموظفين إلى جهات العمل. وعليه، افتقار قرار حظر التجول للعمومية والإنفاذ الكافيين منذ منتصف مارس/ آذار هو ما يفسر تقافز أرقام الإصابات بفيروس كورونا.
وبدلاً من معالجة الوضع بالمهنية اللازمة، وتوسعة إمكانات القطاع الصحي لمجابهة ارتفاع أعداد المصابين، أصدرت السلطات الضوء الأخضر للمؤسسات الأمنية باعتقال عشرات آلاف من المواطنين، وكأن السجون ليست هي ساحات لانتشار الفيروس بين المحتجزين والسجناء، فضلاً عن الطواقم الإدارية والأمنية.
وقد تفجرت في الأيام الماضية توابع "أمننة" أو ما تسميه الأدبيات العلمية securitization لأزمة انتشار الفيروس، ففي قسم شرطة أول الزقازيق، أصيب رئيس المباحث وأحد معاونيه،
بالإضافة إلى آخرين من أفراد الطاقم الأمني في القسم بالفيروس. وعلى الرغم من جدية الوضع في مقار الاحتجاز الشرطية، خصوصا في ظل التكدّس وارتفاع أعداد المحتجزين احتياطيًا على ذمة قضايا لم تبدأ مداولاتها بعد، إلا أن السلطات لم تُجر المسحات والفحوص الأولية اللازمة على المحتجزين في القسم، ما يبدو معاندة من السلطات لفيروسٍ، هو بالأساس "ديمقراطي" لا يفرّق بين حاكم ومحكوم.
في الأيام الماضية أيضا، سجلت مؤسسة "كوميتي فور جستسس" وفاة أول محتجز في محافظة الشرقية، إبراهيم محمد الدليل، بعد نقله من قسم شرطة ههيا. وعلى الرغم من أن تحاليله موجبة أيضًا، لم تتخذ سلطات الاحتجاز الاحتياطات والفحوص اللازمة للمخالطين له من داخل القسم، فضلاً عن مسؤوليتها عن عدم الاستجابة لطلبه بالكشف الطبي منذ أيام، بعد ظهور أعراض الإصابة عليه. وسجلت المنظمة نفسها حالة وفاة أخرى في قسم شرطة بلبيس في محافظة الشرقية، وفي قسم شرطة في الإسماعيلية، وفي سجون وادي النطرون والقناطر ومنطقة سجون طرة وقسم شرطة أول مدينة نصر، وغيرها من مقار الاحتجاز. ويبدو الوضع كارثيًا إذا ما نظرنا إلى أوضاع التكدّس المقبلة، بعد إضافة 30 ألف محتجز جديد إلى 60 ألف سياسي وعشرات الألوف من السجناء الجنائيين، ومثلهم من سجناء الرأي أو الهوية.
تمتعت مصر في السنوات السابقة بغطاء دولي لسياسة "مكافحة الإرهاب"، خصوصا في المحافظات الحدودية، لكن الوضع الحالي لا يحتمل الصمت الدولي عن السياسات غير المسؤولة للأنظمة الأمنية، فحالات الاشتباه بالإصابة لا يتم التعامل معها بالجدية الكافية، ولا تسمح السلطات بإدخال المنظفات وأدوات التعقيم للمحبوسين احتياطيًا والسجناء، بينما تزيد أعدادهم في زنازين متكدّسة بثلاثة أضعاف طاقتها الاستيعابية، حتى قبل موجة الاعتقالات أخيرا. وإذا كانت وزارة الصحة لا تقبل مريضين اثنين على جهاز تنفس واحد، فأوْلى بالسلطات الأمنية أن تخفف عبء الإصابات من داخل مقار الاحتجاز، خصوصا وأن هذه المقار لن تفضي إلى مقتل واحد أو اثنين، بل، لا قدّر الله، المئات والألوف في فترة وجيزة، وتبعات تلك الإصابات على المجتمع بأكمله والاقتصاد المحلي معروفة للعيان.
وقد تفجرت في الأيام الماضية توابع "أمننة" أو ما تسميه الأدبيات العلمية securitization لأزمة انتشار الفيروس، ففي قسم شرطة أول الزقازيق، أصيب رئيس المباحث وأحد معاونيه،
في الأيام الماضية أيضا، سجلت مؤسسة "كوميتي فور جستسس" وفاة أول محتجز في محافظة الشرقية، إبراهيم محمد الدليل، بعد نقله من قسم شرطة ههيا. وعلى الرغم من أن تحاليله موجبة أيضًا، لم تتخذ سلطات الاحتجاز الاحتياطات والفحوص اللازمة للمخالطين له من داخل القسم، فضلاً عن مسؤوليتها عن عدم الاستجابة لطلبه بالكشف الطبي منذ أيام، بعد ظهور أعراض الإصابة عليه. وسجلت المنظمة نفسها حالة وفاة أخرى في قسم شرطة بلبيس في محافظة الشرقية، وفي قسم شرطة في الإسماعيلية، وفي سجون وادي النطرون والقناطر ومنطقة سجون طرة وقسم شرطة أول مدينة نصر، وغيرها من مقار الاحتجاز. ويبدو الوضع كارثيًا إذا ما نظرنا إلى أوضاع التكدّس المقبلة، بعد إضافة 30 ألف محتجز جديد إلى 60 ألف سياسي وعشرات الألوف من السجناء الجنائيين، ومثلهم من سجناء الرأي أو الهوية.
تمتعت مصر في السنوات السابقة بغطاء دولي لسياسة "مكافحة الإرهاب"، خصوصا في المحافظات الحدودية، لكن الوضع الحالي لا يحتمل الصمت الدولي عن السياسات غير المسؤولة للأنظمة الأمنية، فحالات الاشتباه بالإصابة لا يتم التعامل معها بالجدية الكافية، ولا تسمح السلطات بإدخال المنظفات وأدوات التعقيم للمحبوسين احتياطيًا والسجناء، بينما تزيد أعدادهم في زنازين متكدّسة بثلاثة أضعاف طاقتها الاستيعابية، حتى قبل موجة الاعتقالات أخيرا. وإذا كانت وزارة الصحة لا تقبل مريضين اثنين على جهاز تنفس واحد، فأوْلى بالسلطات الأمنية أن تخفف عبء الإصابات من داخل مقار الاحتجاز، خصوصا وأن هذه المقار لن تفضي إلى مقتل واحد أو اثنين، بل، لا قدّر الله، المئات والألوف في فترة وجيزة، وتبعات تلك الإصابات على المجتمع بأكمله والاقتصاد المحلي معروفة للعيان.
دلالات
مقالات أخرى
26 يناير 2021
08 اغسطس 2020
13 ابريل 2020