تحكي قصة الصحافي محمد علي المقري، بحسب شهاداته التي اطلع عليها "العربي الجديد"، ظروفاً مأساوية عاشها منذ مطاردة الحوثيين له في محافظة إب، وفراره إلى منطقة قعطبة التابعة لمحافظة الضالع، واختطافه وتعذيبه من قبل الحوثيين أيضاً، وصولاً إلى سجنه في محافظة البيضاء ونجاته من قصف طيران التحالف على السجن في إبريل/ نيسان من العام 2018، وأخيراً وفاة زوجته قهراً عليه في 26 يونيو/ حزيران من العام الماضي.
عمل المقري في صحيفة "أخبار اليوم" الخاصة، وقبل انقلاب الحوثيين في سبتمبر/ أيلول من عام 2014 زار محافظة صعدة (معقل المليشيا) وأنجز هناك تقارير صحافية واسعة لصالح الصحيفة.
تروي الشهادة التي أبلغها المقري، نقابة الصحافيين اليمنيين، قبل اعتقاله في مأرب، تعرضه لوشاية بعدما استقر في محافظة إب (وسط البلاد) الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بأنه صحافي مناوئ لهم، لكنه تمكن من الفرار من المنزل، وتوجه إلى منطقة قعطبة المتاخمة لمحافظة إب حيث اضطر للعمل في مزارع القات ليوفر لقمة عيشه. وتضيف الشهادة أن المقري استطاع خلال فترة بقائه في المنطقة توطيد علاقات مع قيادات في "المقاومة الشعبية" الموالية للشرعية وضباط في اللواء 30 مدرع، لكن محسوبين عليهما تواطؤوا مع الحوثيين وسلّموه لهم بعد سيطرة المليشيا على منطقة العود الواقعة بين محافظتي الضالع وإب. وتقول شهادته إن الحوثيين أقدموا على تعذيبه وقاموا بنقله إلى أحد السجون في محافظة البيضاء، لكنه تمكن من الفرار بعد نجاته من قصف طيران التحالف للسجن، ووصل إلى منطقة قانية الواقعة بين محافظتي البيضاء ومأرب.
وساهمت الأحداث التي واجهته، والتعذيب الذي تعرض له، في تدهور حالته النفسية "وفقدانه الثقة بالآخرين"، وحاول أن يظل متخفياً بعد وصوله إلى محافظة مأرب، خشية تعرضه لمكروه، وأبلغ في شهادته النقابة "بأنه فكّر بالانتحار".
Facebook Post |
وقال عضو النقابة، نبيل الأسيدي، إن قضية المقري "ملتبسة" ويبدو أن السلطات في مأرب، لا تعيرها أي اهتمام، خصوصاً أنه "لا يوجد أي تهمة واضحة، بالإضافة إلى المعلومات التي تؤكد تدهور حالته النفسية ولا يوجد دلائل لارتكابه أي جريمة ولا توجد أسباب واضحة لبقائه في السجن".
ودعا الأسيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، السلطات في المحافظة، إلى إطلاق سراحه من دون قيد أو شرط، معتبراً ما تعرض له المقري انتهاك لحقوق الإنسان، مطالباً الأجهزة الأمنية بتقديم توضيحات رسمية ومبررات لفترة الاعتقال، وإطلاق سراحه ورد الاعتبار له. ووصف ما حدث بأنه دليل على أن السلطة في المحافظة تتعامل بشكل مستقل عن الدولة وتفعل ما تشاء من دون الرجوع إلى القانون والدستور.
واعتبر عضو مجلس النقابة، موقف السلطات في المحافظة أشبه بما تقوم به المليشيا الحوثية في التعامل مع قضايا المواطنين وعبثيتها، إذ لم يعُرض الزميل المقري - لو كانت هناك مسببات لاعتقاله – على السلطات القضائية، "وهذا دليل على استهتار السلطة في المحافظة في التعامل مع حقوق الإنسان".
وكان مركز الخليج لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية مقرها لبنان) قد طالب في بيان له، الحكومة اليمنية والسلطات في محافظة مأرب، بالإفراج الفوري وغير المشروط عن المقري والصحافيين المعتقلين كافة، وضمان السلامة الجسدية والنفسية لهم.
من جهته، قال رئيس المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين (صدى) يوسف حازب، إن المنظمة خاطبت نيابة محافظة مأرب، من أجل الاطلاع على قضية المقري، خصوصاً أنه مخفي في سجن الأمن السياسي منذ أكثر من عام، من دون أن يتم اتخاذ أية إجراءات قانونية بحقه فضلاً عن معاناته النفسية نتيجة الضغوط التي مورست عليه.
وأضاف في تصريح إلى "العربي الجديد"، أن المنظمة ناشدت الجهات المختصة طويلاً من أجل الإفراج عن الزميل المقري، وأحالت السلطة المحلية في المحافظة الأمر لاختصاص جهاز الأمن السياسي، بينما الأخير لم يبدِ أي تجاوب إيجابي سوى تبريرات متكررة بأن على المقري ملفات خطرة وتهماً تتعلق بـ"الإرهاب". وتابع "حسب معرفتنا بالمقري قبل سجنه، يبدو أنه كان يعاني من مرض نفسي وللأسف الشديد، ضاعف من حالته الوضع المادي والبعد الأسري وما تعرض له من متاعب خلال الفترة الذي سبقت وصوله محافظة مأرب".
يروي أحد أقارب المقري، لـ"العربي الجديد"، ما واجهه الصحافي منذ اعتقاله في مأرب، من محنة إخفائه قسراً إلى سوء حالته النفسية وانتهاءً بزوجته التي ماتت كمداً عليه. وقال "في البداية كان يخبرني أنه مطارد من قبل عناصر من الحوثيين في مأرب، وبعدها اختفى. سألت وبحثت عنه أخبروني أنه سلم نفسه للأمن السياسي لأنه خشي على نفسه".
وأضاف "عندما سلم محمد نفسه للأمن وعدوه بإطلاق سراحه بعد فترة، لكنهم تنصلوا من ذلك وتذرعوا بعدم خروجه من المعتقل بتهمة أنه جاسوس حوثي، وتارة أخرى بأنه متعاون مع تنظيم القاعدة". وتابع "تدهورت صحة زوجته منذ علمها باعتقال زوجها في مأرب، وكانت قد دخلت في غيبوبة سكرية حادة إلى أن توفيت. وربما لا يعلم شقيقي ذلك حتى الآن".