محمد عبلة.. تجربة نحتية تستلهم النار والبرونز

17 فبراير 2020
(من المعرض، تصوير: عادل مصطفى)
+ الخط -

يُركّز عمل التشكيلي المصري محمد عبلة (المنصورة 1953)، بشكل أساسي على الرسومات واللوحات الزيتية، إذ ابتكر لنفسه أسلوباً يمزج فيه التقنيات؛ فقد نجد اللوحة الواحدة تشترك في الكانفاس والليثيوغراف والتصوير على الأسطح الحسّاسة للضوء، وأصبح معروفاً بهذا النوع من التجارب في العقدين الأخيرين.

لكن فن عبلة المتعلّق بالتجهيز والنحت والحفر ظل دائماً خلف اللوحة بمعناها الكلاسيكي، وتصدّر عملَه كرسّام الأنواع البصرية الأخرى التي يشتغل عليها؛ فكثيرون لا يعرفون مثلاً أن لديه تجارب في فن الفيديو، كما أنه لم يكشف عن الجانب النحتي عنده إلّا عام 2018، في معرض بعنوان "خارج الكادر".

يخصّص عبلة، الذي يعتبر من أبرز فنّاني جيل السبعينيات في مصر، معرضه الجديد "اللعب بالنار"، الذي انطلق مؤخراً في "غاليري سماح" بالقاهرة ويتواصل حتى يوم الجمعة المقبل، للأعمال النحتية التي أنجزها في السنتين الأخيرتين؛ إذ يضمّ أعمالاً نحتية من البرونز الأخضر والنحاسي والنيلي واللون الخام، بعضها يجسّد إنساناً وبعضها حيوانات أليفة كالحصان والديك والسمكة والكلب؛ هذه الحيوانات التي يحوّلها إلى عائلة بروح فنية وحشية وفطرية تظهر معها المنحوتات كقطع خردة بلا زوايا ولا خطوط مستقيمة، بل مجرّد كتل متعرّجة وتجريدية وتقريبية، بساطتها لا تختلف كثيراً عن بساطة شخصيات لوحاته التي ألفناها.

يقول الفنان في وصف معرضه: "من قلب النار تولد شرارات البهجة القاسية. تومض أمام ناظري تلك الخيالات القرمزية المتوهّجة تكاد تنفجر في دوّامات تتطاير فيها أشكال تتراقص في تدافعات وكأنها تؤدّي طقوساً سحرية قبل أن يخمد فيها الوهج وتتحوّل إلى ذلك اللون الذهبي الساحر. عندها يستقيم الشكل مخترقاً الفضاء أمامي معلناً عن وجوده الحاضر كياناً مكتملاً". ويضيف: "بفعل النار تحوّلت الحياة وتبدّل الوجود ودخل في مسارات وفضاءات أخرى، وامتدّت يد الإنسان إلى قلب الأرض تفتّش في حناياها بحثاً عن بلورات الأبدية".

بهذه اللغة التي تعود إلى سحر النار الأولى، تظهر المنحوتات بدائية وبخطوط تجريدية أساسية، إذ لا يوجد الكثير من التفاصيل في العناصر نفسها، لكن بعض الأعمال مكتظّة بالعناصر والشخصيات. ينحت الفنان شخصياته فرادى، وينحتها جماعات تبدو كأنها تعيش في عصر قديم، نساء وفتيات في مربّعات مختلفة؛ كلُّ واحدة تقوم بفعل ما: ترقص، تمشي، تلعب، تنظر، تركب حصاناً... بعض المنحوتات دقيقة ومختصرة في تفاصيلها، كأنها منظر طبيعي لإنسان يسير في العراء مع كلابه وأغنامه.

بالنسبة إلى عبلة، فإن النحت هو "فعل النار وذوبان الوجود الصلب والتحوّل لأطوار جديدة تشق الفضاء وتعلن عن وجودها اللانهائي، حيث الأشكال تخرج من ثنايا الرسم وبدائية الخط ورحم الحكايات القديمة التي كانت في بداياتها خطوطاً بسيطة وكأنّها مجرّد إشارات إلى شيء ما، قبل أن يضربها برق السماء فاستحالت وجوداً آخر مملوءاً بالطاقة والوهج والرنين النحاسي الآسر".

المساهمون