محمد صلاح والهويّة العربية

29 ديسمبر 2018
+ الخط -
كم مرة شاهدتم أو قرأتم "الله على أخلاقك يا فخر العرب"، على مواقع التواصل الاجتماعي، في كل مرة تحضر سيرة اللاعب المصري الدولي محمد صلاح؟ مائة مرة؟ ألف مرة؟ مليون مرة؟ حسناً، لا يلخّص هذا الأمر شيئاً بقدر كشفه أشياء جمّة في اللاوعي العربي. في البداية، المصطلح الذي بدأ تداوله بصورة جدّية تحوّل لاحقاً إلى مادة للسخرية، وبات الجميع يتندّر به على قاعدة أن تكثيف استخدامه يؤدي حكماً إلى ابتذاله، ومن ثمّ التعامل معه باستخفاف.
يشرح استخدام هذا الأمر مدى الحاجة إلى "صناعة" بطل رياضي لدى العرب، مثل كل قومية في حاجةٍ إلى هذا النوع من الأبطال الرياضيين، مثل الكوري الجنوبي سون هيونغ ـ مين، الذي بات أحد أفضل لاعبي الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم، وقبلة مواطنيه في كوريا الجنوبية، والياباني يوتو ناغاتومو، الذي لعب سبع سنوات مع "إنتر ميلان" الإيطالي، رافعاً شهرة النادي في اليابان، وكاسباً حبّ مواطنيه وعطفهم. وصدورا عن هذه الحاجة إلى الأبطال العرب، على مسارح "المحترفين"، أي في أوروبا (الجنة الرياضية)، لبّى صلاح معايير لعب أدوار البطولة. فهو عربي ـ مصري، وسبق له أن عبر مراحل صعبة في طفولته، وصولاً إلى اللحظة التي سجل فيها الهدف الثاني لفريقه، ليفربول، في مرمى "نيوكاسل"، يوم الأربعاء الماضي، مساهماً في الفوز بنتيجة (4 - 0)، ورافعاً حظوظ فريقه في إحراز لقب الدوري الإنكليزي للمرة الأولى منذ عام 1990.
قد يُحرز صلاح ألقابا عدة مع فريقه الإنكليزي، خصوصاً أن تطوره الكروي وانسجامه مع المتطلبات الإعلانية المرافقة لشهرة اللاعبين بسلاسة ساهما في ترسيخ حضوره لدى العرب، ولكن أيضاً لدى غيرهم. هنا تأتي المفارقة. صلاح الذي بات "نموذجاً" يُحتذى به لدى الجماهير العربية، ولدى الأطفال العرب، الحالمين بالعبور إلى أوروبا للعب في بطولاتها، هو أيضاً "نموذج" يُحتذى للأطفال الإنكليز، الذين باتوا يقلّدونه في شكله وشخصيته وطريقة تسجيله الأهداف والاحتفال بها. الأمر، في النهاية، جزء من اللعبة خارج الملعب، ما يُفسح المجال أمام العرب في التفكير في إمكانية خسارتهم محمد صلاح، واحتسابه على العالم أجمع، بدلاً من قومية محدّدة.
قد يبدو صلاح حالياً في قمة نضوجه الكروي، لكنه أيضاً في لحظة الضوء الشديدة. الجميع يحاول التمثل به، وإسقاط العوامل والموروثات الدينية والاجتماعية عليه، فهل يجوز مثلاً رؤيته يهنئ الأطفال بمناسبة عيد الميلاد في إنكلترا؟ وهل يُمكن له أن يرقص في الملعب كعادة أفريقية، قبل أن تكون عربية، في حال تسجيله هدفاً ما؟ وهل يحقّ له الظهور في إعلانات تجارية غير معتادة عربياً؟ هل يُمكن له نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن تلقى ردوداً سلبية، من خلفيات دينية واجتماعية، يُفترض توظيفها في سياقها الصحيح، لا في سياقٍ غير طبيعي؟
من هنا يبدو إصرار كثيرين على "التمسّك" بصلاح، واعتباره "واحدا منا"، قبل أن يسكن "بينكم". لكنه أمر لا يكفي، فحين تكون في روما تصرّف كأهل روما. وتجارب كروية عربية كثيرة فشلت، بسبب عدم انسجام اللاعبين، وحتى عدم رغبتهم، في البقاء وسط مجتمعاتٍ اعتبروا أنهم غير قادرين على التناغم معها. صلاح عكس الآية. حمل تراثه بين سويسرا وإيطاليا وإنكلترا، من دون أن يجنّ بالمعنى السلبي للكلمة، متمسّكاً بحلمٍ احترافي، يحققه في أحد أفضل الأندية العالمية.
بالتالي، ليست عبارة "الله على أخلاقك يا محمد صلاح" شرطاً ليكون لاعباً عربياً في العالم، بقدر ما أنها تشرح الجانب الدفين لدى مطلقها في القول "لا تتركنا يا صلاح، وتذكر دائماً من أين أتيت". ربما للتمسّك بهوية عربية، دينية في بعض جوانبها، باتت في قلب صراع هوياتيّ متجاذب شرقاً وغرباً.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".