يواجه المخرج الإيراني محمد رسول أف (شيراز، 1972)، حكمًا بالسجن عامًا واحدًا، ومنعًا من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية في إيران عامين اثنين، بسبب المضمون السياسي لأفلامه. وصدر الحكم عليه في 20 يوليو/ تموز 2019، بحسب "المركز الإيراني لحقوق الإنسان". ورغم أنّ لديه 20 يومًا للاستئناف، أعلن المخرج عن "تشاؤمه" في هذا الصدد، كما قال للمركز في اليوم التالي لصدور الحكم.
تعرّض رسول أف، المُقيم بين إيران وهامبورغ (ألمانيا)، حيث عائلته، لانتقادات كثيرة في بلده بسبب أفلامه، التي اعتُبرت "مسيئة" للبلد، بـ"إعطائها صورة قاتمة عنها". قبل عامين، مُنع من مغادرة إيران، بعد استجوابه ومصادرة جواز سفره، فور عودته إليها في أكتوبر/ تشرين الأول 2017. حينها، اتّهم بـ"القيام بنشاط ضد الأمن القومي"، وبـ"الدعاية ضد النظام". خرج بكفالة، وانتظر قرار المحكمة.
ونقل "المركز الإيراني" عنه قوله، بعد النطق بالحكم عليه، إنّه "من الغريب أنّهم يتّهمونني بالدعاية ضد الدولة لأني أروي قصصًا. أفلامي ليست سياسية. إنّها نقد اجتماعي، له تداعيات سياسية. بدلاً من فهم الأفلام، يؤولونها على أنها تشهير بالدولة". أضاف أنّ القاضي كتب أنّ المدعى عليه لم ينجز أيّ فيلم عن شجاعة الأمّة، وأنّه كوفئ في مهرجانات غير إيرانية، وصفق له الأجانب، "(وهؤلاء) أعداء الأمّة، لهذا فأنا عدو بلدي". في اللقاء المنشور في الموقع الإلكتروني للمركز (24 يوليو/ تموز 2019)، أشار رسول أف إلى اتّهامهم إياه أيضًا بأنّه "سوّد" وجه الأمة، و"بأنّ انتقاداته غير صحيحة، ولا أمل في أفلامه"، مُضيفًا أنّ معظم الاتهامات تركّزت على فيلمي "المخطوطات لا تحترق" (2013) و"رجل نزيه" (2017).
"رجل نزيه" أكثر أفلامه إثارةً لغضب النظام عليه، رغم حصوله على تصريحٍ بالتصوير من "وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران". بعد الانتهاء منه، قرّرت السلطات الإيرانية عدم عرضه في مهرجان "فجر"، في فبراير/ شباط 2017، وحاولت إقناع مخرجه بعدم عرضه في مهرجان "كانّ". لكنّه عُرض في "نظرة ما"، في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) للمهرجان نفسه، وفاز بالجائزة الأولى. "رجل نزيه" ("لِرْد" بالفارسية، التي تعني السيّد أو المالك)، صوّر مقاومة رجل نزيه، لعدم الوقوع في حبائل الفساد المستشري في السلطة، في المستويات كلّها. يعيش رضا في منطقة ريفية مع زوجته وابنه، مُكرّسًا حياته لهما، ولمزرعة تربية الأسماك. لكن شركة خاصة تُصرّ على امتلاك أرضه، وتحاول بشتى السبل إجباره على بيعها. ترتبط الشركة بالسياسة والمال والسلطة، وتنتهك القوانين والقيم الاجتماعية، لفرض قراراتها على مجتمع البلدة. لكن رضا لا يريد التنازل، فتبدأ لعبة الرشاوى، ويظهر الفساد. لكن الأمور تفلت منه، وتُخرَّب أعماله ومشاريعه بسبب تصلبّه ومواجهته "الكبار".
في حوار ترويجي رافق مشاركة "لِرْد" في مهرجان "كانّ" آنذاك، قال محمد رسول أف إنّ ما دفعه إلى كتابة الفيلم موقف تعرّض له قبل 20 عامًا، مُشابه لما واجهه رضا، لا سيما في محاولاته الضغط على نفسه، وعدم "الانفجار" أمام مضايقة السلطات له من دون سبب. وأوضح أن رضا يعاني بسبب "تركيبة أنجبها النظام، فيها القمع الاجتماعي كلّه الذي يعاقِب من لا يتبع الخط نفسه، والقيم الموضوعة".
أوقف رسول أف مع جعفر بناهي في نهاية عام 2010 في طهران، في ظلّ الأحداث اللاحقة بعد إعلان نتائج انتخابات رئاسة عام 2009، لتحقيقهما فيلمًا وثائقيًا من دون الحصول على موافقة السلطات المختصة. اتّهما حينها بارتكابهما "أفعالاً دعائية معادية للجمهورية الإسلامية في إيران". لكن الحكم على رسول أف خُفّض من 6 أعوام إلى عام واحد، مع وقف التنفيذ. تابع صنع الأفلام في إيران، مُنجزًا فيلمي "وداعًا" (2011)، و"المخطوطات لا تحترق".
يروي "وداعًا" معاناة محامية إيرانية، وإحساسها بالغربة في بلدها، بعد سحب رخصة العمل منها، وتعرّضها لمضايقات من السلطات، بسبب زوجها المتواري عن الأنظار، خشية اعتقاله. تقرّر الهجرة والهرب. يُذكر أن الفيلم نال جائزة الإخراج في "نظرة ما" أيضًا، في الدورة الـ64 (11 – 22 مايو/ أيار 2011) لمهرجان "كانّ"، لكن المخرج مُنع من مغادرة إيران لاستلامها.
اقــرأ أيضاً
في مقابل نشر الصحافة العالمية خبر الحكم على محمد رسول أف، لم يُذكر شيءٌ عن هذا في الصحافة الإيرانية، لغاية الآن. تلفزيون "بي. بي. سي. بالفارسية" أول من أعلن الخبر، بحسب سينمائي إيراني (لم يرغب في الكشف عن اسمه)، في تصريح لـ"العربي الجديد". كما أنّ سينمائيين كثيرين تضامنوا معه، لكن البعض بدا أقلّ حماسة، ولامَ المخرج على "لعب هذه اللعبة مع السلطة". المخرجة وفنانة الـ"فيديو آرت"، الممثلة مانيا أكبري ("10" لعباس كيارستمي، 2002)، قالت لـ"العربي الجديد"، إنّ رسول أف كان "يعرف أنّه إذا عاد إلى إيران، سيصادرون جواز سفره، وسيُحاكم"، مُضيفةً تأكيدها على أنّه "منزعج"، لأن الحكم "لم يتجاوز عامًا واحدًا". فهو، كما تقول أكبري، كان "يتمنى أكثر، ليثير الإعلام والمهرجانات حوله. كان يلعب هذه اللعبة بعد كل فيلم. نحن نعرف السياسة والوضع الإيرانيين، وهو يستخدم المواضيع السياسية لتكون هناك أخبار أكثر عنه، وباستمرار". يُذكر أنّ "رجل نزيه" أثار حساسية إيرانيين في باريس، لإظهاره إيران بهذا الشكل السيئ والمُبالغ به.
ويذكر أنّ مواقف مشابهة تردّدت لدى إيرانيين، في الخارج والداخل، لكنها غير علنيّة كثيرًا، خشية الظهور بمظهر المؤيد للنظام الإيراني. حصل هذا مع جعفر بناهي أيضًا، إذْ "اتّهمه" سينمائيون إيرانيون، من دون أن يعني هذا عدم وقوفهم معه، بافتعال مواقف تثير السلطات المحلية، وتحثّ الصحافة الغربية على الاهتمام بأخباره دائمًا.
أما محمد رسول أف، فأوضح موقفه لـ"المركز الإيراني لحقوق الإنسان"، بالقول إنّ عليه القبول (بالحكم) "حتى أرى تغييرات وإصلاحات في بنية البلد"، مُضيفًا أنّ "علينا دفع الثمن، وعلى كلّ واحد أن يدفع ثمنًا ما. لا خيار أمامي أنا أيضًا. أدفع الثمن، إذا أردتُ إنجاز أفلامٍ مستقلّة".
ونقل "المركز الإيراني" عنه قوله، بعد النطق بالحكم عليه، إنّه "من الغريب أنّهم يتّهمونني بالدعاية ضد الدولة لأني أروي قصصًا. أفلامي ليست سياسية. إنّها نقد اجتماعي، له تداعيات سياسية. بدلاً من فهم الأفلام، يؤولونها على أنها تشهير بالدولة". أضاف أنّ القاضي كتب أنّ المدعى عليه لم ينجز أيّ فيلم عن شجاعة الأمّة، وأنّه كوفئ في مهرجانات غير إيرانية، وصفق له الأجانب، "(وهؤلاء) أعداء الأمّة، لهذا فأنا عدو بلدي". في اللقاء المنشور في الموقع الإلكتروني للمركز (24 يوليو/ تموز 2019)، أشار رسول أف إلى اتّهامهم إياه أيضًا بأنّه "سوّد" وجه الأمة، و"بأنّ انتقاداته غير صحيحة، ولا أمل في أفلامه"، مُضيفًا أنّ معظم الاتهامات تركّزت على فيلمي "المخطوطات لا تحترق" (2013) و"رجل نزيه" (2017).
"رجل نزيه" أكثر أفلامه إثارةً لغضب النظام عليه، رغم حصوله على تصريحٍ بالتصوير من "وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران". بعد الانتهاء منه، قرّرت السلطات الإيرانية عدم عرضه في مهرجان "فجر"، في فبراير/ شباط 2017، وحاولت إقناع مخرجه بعدم عرضه في مهرجان "كانّ". لكنّه عُرض في "نظرة ما"، في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) للمهرجان نفسه، وفاز بالجائزة الأولى. "رجل نزيه" ("لِرْد" بالفارسية، التي تعني السيّد أو المالك)، صوّر مقاومة رجل نزيه، لعدم الوقوع في حبائل الفساد المستشري في السلطة، في المستويات كلّها. يعيش رضا في منطقة ريفية مع زوجته وابنه، مُكرّسًا حياته لهما، ولمزرعة تربية الأسماك. لكن شركة خاصة تُصرّ على امتلاك أرضه، وتحاول بشتى السبل إجباره على بيعها. ترتبط الشركة بالسياسة والمال والسلطة، وتنتهك القوانين والقيم الاجتماعية، لفرض قراراتها على مجتمع البلدة. لكن رضا لا يريد التنازل، فتبدأ لعبة الرشاوى، ويظهر الفساد. لكن الأمور تفلت منه، وتُخرَّب أعماله ومشاريعه بسبب تصلبّه ومواجهته "الكبار".
في حوار ترويجي رافق مشاركة "لِرْد" في مهرجان "كانّ" آنذاك، قال محمد رسول أف إنّ ما دفعه إلى كتابة الفيلم موقف تعرّض له قبل 20 عامًا، مُشابه لما واجهه رضا، لا سيما في محاولاته الضغط على نفسه، وعدم "الانفجار" أمام مضايقة السلطات له من دون سبب. وأوضح أن رضا يعاني بسبب "تركيبة أنجبها النظام، فيها القمع الاجتماعي كلّه الذي يعاقِب من لا يتبع الخط نفسه، والقيم الموضوعة".
أوقف رسول أف مع جعفر بناهي في نهاية عام 2010 في طهران، في ظلّ الأحداث اللاحقة بعد إعلان نتائج انتخابات رئاسة عام 2009، لتحقيقهما فيلمًا وثائقيًا من دون الحصول على موافقة السلطات المختصة. اتّهما حينها بارتكابهما "أفعالاً دعائية معادية للجمهورية الإسلامية في إيران". لكن الحكم على رسول أف خُفّض من 6 أعوام إلى عام واحد، مع وقف التنفيذ. تابع صنع الأفلام في إيران، مُنجزًا فيلمي "وداعًا" (2011)، و"المخطوطات لا تحترق".
يروي "وداعًا" معاناة محامية إيرانية، وإحساسها بالغربة في بلدها، بعد سحب رخصة العمل منها، وتعرّضها لمضايقات من السلطات، بسبب زوجها المتواري عن الأنظار، خشية اعتقاله. تقرّر الهجرة والهرب. يُذكر أن الفيلم نال جائزة الإخراج في "نظرة ما" أيضًا، في الدورة الـ64 (11 – 22 مايو/ أيار 2011) لمهرجان "كانّ"، لكن المخرج مُنع من مغادرة إيران لاستلامها.
ويذكر أنّ مواقف مشابهة تردّدت لدى إيرانيين، في الخارج والداخل، لكنها غير علنيّة كثيرًا، خشية الظهور بمظهر المؤيد للنظام الإيراني. حصل هذا مع جعفر بناهي أيضًا، إذْ "اتّهمه" سينمائيون إيرانيون، من دون أن يعني هذا عدم وقوفهم معه، بافتعال مواقف تثير السلطات المحلية، وتحثّ الصحافة الغربية على الاهتمام بأخباره دائمًا.
أما محمد رسول أف، فأوضح موقفه لـ"المركز الإيراني لحقوق الإنسان"، بالقول إنّ عليه القبول (بالحكم) "حتى أرى تغييرات وإصلاحات في بنية البلد"، مُضيفًا أنّ "علينا دفع الثمن، وعلى كلّ واحد أن يدفع ثمنًا ما. لا خيار أمامي أنا أيضًا. أدفع الثمن، إذا أردتُ إنجاز أفلامٍ مستقلّة".