محمد بن سلمان والورقة الدينية: احتكار السلطة لا إصلاح

01 يوليو 2017
محمد بن سلمان ورئيس مجلس الشورى عبدالله آل الشيخ(الأناضول)
+ الخط -
في طريق صعود نجل العاهل السعودي محمد بن سلمان لسدة ولاية العهد، على حساب ابن عمه الأمير محمد بن نايف، كانت هناك عوامل "تسويقية" حاول بن سلمان ترويجها في الصحف الغربية عبر المقالات التي ربما تكون مدفوعة وموقعة من صحافيين. أبرز هذه الحجج كانت الإصلاح الديني وتخلص المملكة من تراثها الديني الذي بنيت عليه وقامت على أساسه. وعلى العكس من بقية دول مجلس التعاون الخليجي، فإن السعودية قامت على أساس ديني بحت بعد الحلف السياسي الذي نشأ بين محمد بن عبدالوهاب، ومؤسس الأسرة الحاكمة السعودية محمد بن سعود، على أن يتولى بن عبدالوهاب الجانب الديني، فيما يتولى بن سعود الجانب السياسي للدولة الوليدة.

وخلال المراحل المختلفة التي مرت بها الدولة السعودية، استمرت المؤسسات الدينية التقليدية بإضفاء الشرعية المطلقة على الحكم السعودي حتى ظهور ما عرف بتيار "الصحوة"، وهو تيار يجمع بين السلفية التقليدية وتعاليم الحركات الإسلامية السياسية وعلى رأسها "الإخوان المسلمون". وتعود أسباب قوة هذا التيار مقابل السلفية التقليدية المؤسساتية التي ترعاها الحكومة، إلى أنه يبدو أكثر شباباً وأكثر حماسة من غيره. وصعد نجم هذا التيار في ثمانينيات القرن الماضي، مع انخراط الكثير من أعضائه في ما سمي بـ"مذكرة النصيحة" التي قدمها سعوديون إسلاميون للحكومة عام 1991 وطالبوا فيها بإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة وتعديل النظام القضائي، وهو ما أدى إلى سجن رموز من ذلك التيار، ومنهم سلمان العودة، ومحسن العواجي، ومحمد الحضيف، لفترات طويلة. لكن الحكومة على الجانب الآخر، قدمت تنازلات عدة تمثلت في إنشاء النظام الأساسي للحكم (وهو أمر شبيه بالدستور في البلدان الأخرى)، وتعيين مجلس شورى صوري وغير منتخب.

استمر هذا التيار في النمو والتوسع وتهديد المؤسسة الدينية الرسمية الوحيدة والتي تمثلت في هيئة كبار العلماء التي أنشئت عام 1971، أي بعد ظهور بوادر "الصحوة" بفترة قصيرة. واستطاع تيار "الصحوة" النمو والتغلغل في كثير من المؤسسات الحكومية السعودية، وعلى رأسها "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". لكن الأمير الشاب محمد بن سلمان أدرك أمراً لم ينتبه إليه كثيرون، وهو أن عدداً كبيراً من رموز هذا التيار كوّنوا علاقة تحالف قوية مع محمد بن نايف، وزير الداخلية وخصمه السابق، الذي استطاع الوصول إلى صيغة تفاهم مع الكثيرين منهم وعلى رأسهم سلمان العودة، وعايض القرني، ومحمد الحضيف، وسعد البريك. كما انتبه بن سلمان أيضاً إلى أن العشرات من مفكري هذا التيار يعارضون الخطوات النيوليبرالية التي يقوم بها، إذ إن تيار "الصحوة" هو تيار شعبوي يعتمد على التعبئة الشعبية العامة.

ولقطع الطريق أمام أتباع بن نايف وأمام منتقدي "رؤية 2030" والتي تقوم على أساس خصخصة الأصول السعودية، وفرض الضرائب على المواطنين، ورفع الدعم عن السلع تحت شعار كسر النظام الاقتصادي الريعي، قامت السلطات السعودية في شهر إبريل/ نيسان 2016 بتجميد عمل أكبر المؤسسات الموالية لمحمد بن نايف، وهي "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". كما اعتقلت الداعية الإسلامي سليمان الدويش، الذي وصف محمد بن سلمان بـ"المراهق الطائش" عبر سلسلة تغريدات له في موقع "تويتر". وقال في رسالة للملك سلمان: "إياك أن يدفعك حبّك لبعض أولادك لا سيما إنْ كان طائشاً، أن تفضّله على بقية إخوته فإنه يدفعهم للانتقام منه، كما ويدفعه للغرور وعدم احترام من يكبُره".

واعتقلت الأجهزة المحسوبة على بن سلمان الأكاديمي السعودي محمد الحضيف أيضاً بتهمة الإساءة لولي عهد أبوظبي وحليف بن سلمان الرئيسي، محمد بن زايد. ويعد الدويش إضافة إلى سعد البريك الذي اختفى في ظروف غامضة في منتصف مارس/ آذار 2017، قبل أن يفرج عنه بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد بيوم واحد، أبرز رجال محمد بن نايف وأكثر المقربين منه.

ولم يكتف بن سلمان باعتقال المقربين من بن نايف فحسب، بل اعتقل بالتزامن مع توقيف الدويش، الشيخ عبدالعزيز الطريفي، الذي يعد أحد أبرز المنظرين الشباب للتيار السلفي في السعودية بسبب سلسلة تغريدات انتقد فيها مبادئ "رؤية 2030" من دون أن يسميها. كما اعتقلت السلطات السعودية بعدها بشهرين الباحث الإسلامي الشهير، إبراهيم السكران، الذي قال إن حركة الإصلاح الديني المزعومة لبن سلمان إنما هي حركة تسويقية لاسترضاء حلفائه في أميركا، والذي ينتقد باستمرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد، ويطالب بالإفراج عن أكثر من 30 ألف معتقل سياسي في السعودية. وحكمت عليه المحكمة المختصة بالسجن 5 سنوات.

لكن هذه الاعتقالات التي قام بها محمد بن سلمان في طريقه نحو ولاية العهد لم تكن تستهدف الإصلاح الديني كما يقول، بل كانت تستهدف إسكات الأصوات غير الموالية له والتي قد تؤثر على وصوله إلى سدة الحكم. ويتمتع المعتقلون الإسلاميون، وعلى رأسهم الطريفي والسكران، بشعبية كبيرة داخل السعودية.

وتتهم الحكومة السعودية السكران والطريفي بمحاولتهما زرع الطائفية في المجتمع. لكن استقبال ولي العهد الجديد محمد بن سلمان لأعضاء "هيئة كبار العلماء" في المملكة، وعلى رأسهم المفتي عبدالعزيز آل شيخ، والشيخ صالح الفوزان، المعروف عنهم التشدد بالرأي وتكفير الطوائف الإسلامية الأخرى، وعلى رأسها الطائفة الشيعية، يؤكد بالنسبة لكثيرين أن آخر ما يهتم له بن سلمان هو الإصلاح الديني، وأن الأمر بأكمله مشروط بالولاء التام له فقط. وأصدر الشيخ الفوزان، والذي قبّل بن سلمان رأسه أثناء تلقيه البيعة، فتاوى عدة تكفّر المذهب الشيعي والمطالبين بقيادة المرأة للسيارة واتهامهم بالزندقة. كما اتهم المطالبين بالإصلاح السياسي في البلاد بالخوارج والمتطرفين من دون أن يتراجع عن أي من هذه الفتاوى، على الرغم من دعاوى الإصلاح الديني في السعودية.

ولن يفرط بن سلمان بأي حال من الأحوال، كما يقول المراقبون للشأن السعودي، بورقة "العاطفة الدينية" التي تملكها السعودية. وقد استطاع استخدام هذه الورقة الدينية مرات عدة، أبرزها في حرب اليمن حينما قال المفتي، رئيس "هيئة كبار العلماء"، الشيخ عبدالعزيز آل شيخ، إن "هذه حرب مقدسة تستهدف كسر شوكة الفرس وحفظ الإسلام من شر إيران الرافضية"، بحسب تعبيره. كما استخدم بن سلمان الهيئة مرة أخرى لتبرير الحصار على دولة قطر، إذ قال آل شيخ نفسه في بيان مكتوب، إن "القرارات الأخيرة التي اتخذتها المملكة وعدد من الدول ضد قطر أمور إجرائية، فيها مصلحة للمسلمين وهذه القرارات مبنية على الحكمة والبصيرة وفيها فائدة للجميع".

واستخدم بن سلمان الورقة الدينية للمرة الثالثة أثناء مبايعته لولاية العهد، حين حرص على وجود أعضاء "هيئة كبار العلماء" لمبايعته وإصدار بيان عن الهيئة أكدت فيه "حكمة" هذا القرار وأنه "سيفيد السعودية والشعوب العربية". ولا تتمتع "هيئة كبار العلماء" باستقلالية عن القرار الرسمي، إذ تكتفي بمبايعة أي ملك مسيطر وفق العقيدة السلفية التقليدية التي تنص على وجوب مبايعة الأقوى والتسليم له، وهو ما يجعلها الأداة الأفضل والأقوى لتثبيت دعائم حكم بن سلمان من وجهة نظر دينية.
المساهمون