لم تتوقف اعتداءات جنود الاحتلال ومستوطنيه على الفلسطينيين، منذ بدء الانتفاضة في أرجاء الضفة الغربية والقدس المحتلة، ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى الفلسطينيين. هذه الاعتداءات الإسرائيلية لا تقتصر فقط على الفلسطينيين المنتفضين في الشوارع، بل تتواصل حتى لقمع واضطهاد المصابين منهم. ومثال على ذلك هو الفتى محمد يوسف برقان (18 عاماً) من سكان حي الثوري جنوبي البلدة القديمة من القدس، الذي كان قد أصيب في مواجهات مع جنود الاحتلال وتم نقله إلى المستشفى للمعالجة من دون السماح لأهله بلقائه. برقان بقي معتقلاً في المستشفى وحيداً قبل أن تسمح سلطات الاحتلال لوالديه بزيارته ومشاهدته، من دون أن تسمح لهما بالحديث معه، وإلا عوقب بالعودة إلى سجنه على سرير الشفاء مقيداً في مستشفى هداسا عين كارم في القدس الغربية.
محمد الفتى الذي أنهى أخيراً دراسته في إحدى المدارس المهنية في المنطقة الصناعية "عطروت" شمالي القدس المحتلة، كان قد أصيب قبل بضعة أيام بعيار معدني في العين اليسرى أفقده إياها بعد استئصالها الإثنين من قبل طاقم أطباء إسرائيلي، قاموا أيضاً بترميم عظام وجهه التي تهشمت بفعل الضرب المبرح الذي تعرض له من قبل جنود الاحتلال.
في غرفة علاجه في المستشفى وتحت حراسة من شرطة الاحتلال، ظل برقان الفتى الصغير معزولاً ومحاصراً، فيما القيد في السرير يشد على معصمه كلما حاول التحرك أو النهوض، وهو لا يستطيع ذلك.
بالنسبة ليوسف برقان والد محمد، ما يهمه بالدرجة الأولى أن يحتفظ نجله بكامل صحته البدنية والنفسية بعد أن فقد عينه، وهي أعز ما يملكه المرء كما يقول لـ"العربي الجديد". ويتابع والده والألم يعتصر قلبه: "الآن، وقد أدرك محمد أنه لن يرى في عينه ولن يبصر النور بها، بات يتصرف بعصبية وغرابة، لم يرَ بعد عينه التي فقأتها رصاصة معدنية، ولهذا أخشى عليه من تلك اللحظة، لأنه لا يكف عن البكاء وهو يتحسس ضمادة العين ويحاول نزعها ليرى ما حل بها، بينما لا يكف عن الصراخ ألماً كلما وضع يده على عظم وجهه المهشم".
اقرأ أيضاً: 300 إصابة بمواجهات في الضفة والقدس
فجر الإثنين، كان محمد قد خضع لعملية ترميم لعظام وجهه، تمكن خلالها الأطباء من زراعة البلاتين في بعض عظام الوجه، في حين تُركت العظام الصغيرة المهشمة من دون أن يتمكن الأطباء من جمعها، وبالتالي سيكون الألم مضاعفاً بعد أن يخرج من المستشفى، ليبدأ علاجاً لفترة طويلة.
ما يقلق والد محمد كما يقول "إصرار الاحتلال على سجنه، ومواصلة وضعه في القيد حتى وهو مصاب بجروحه الخطيرة"، فيما لم يكن بإمكان محمد أن يظل في غرفته مسجوناً، حيث نقل عنه والده أنه يقول "أريد أن أتنفس، أنا أحس بأنني مخنوق".
وبعد عناء طويل، وبعد تدخّل المحامي محمد محمود من مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، وافقت سلطات الاحتلال على طلب رؤية الفتى لوالديه، بشرط ألا ينطق بأي كلمة مع والديه ومحادثتهما، وإلا أعيد على الفور إلى محبسه في السرير، فوافقت العائلة. يقول والده "كنا ننظر إليه وكان ينظر إلينا بينما الألم يعتصر قلبي وقلب والدته، ولكم أن تتخيلوا بماذا كان يفكر، ولكم أن تشعروا عظم إحساسي كأب بالعجز وانعدام الحيلة".
وعقدت ما تُسمى بمحكمة الصلح الإسرائيلية في القدس يوم الإثنين، جلسة محاكمة غيابية للفتى محمد بعدما لم يتمكن من الحضور، وفي المحكمة تقرر "تمديد اعتقاله حتى يوم أمس الخميس". يخشى والد محمد على مصير نجله، فيما لو غادر المستشفى إلى السجن في حال قررت المحكمة حبسه، فحالته الصحية لا تسمح بذلك أبداً، متسائلاً عمن سيعتني به أو من سيخفف من آلامه وأوجاعه، مناشداً كل من يستطيع تقديم المساعدة لإبقاء نجله في المستشفى، حتى يتجاوز محمد محنته.
اقرأ أيضاً: الاحتلال يعتقل عشرات الفلسطينيين في الضفة الغربية