محمد إمام في ظلّ أبيه: أفلام خفيفة وسيناريوهات جيدة

29 يونيو 2018
محمد عادل إمام (فيسبوك)
+ الخط -
بشكل أو بآخر، يمكن اعتبار محمد إمام (1984) من أذكى الممثلين المصريين في الأعوام الأخيرة. فالممثل ـ الذي بدأ مسيرته "مُقحَمًا" على أعمال والده عادل إمام (1940) في دور أساسي كما في "عمارة يعقوبيان" (2006) لمروان حامد، أو في دور آخر كما في "حسن ومرقص" (2008) لرامي إمام، والذي لا يحظى بقبول جماهيري في غالبية أدواره اللاحقة ـ تحوّل عام 2015 إلى "نجم شبّاك"، ليس لأن الجمهور تقبّله فجأة، بل لاختياره مشاريع تتوفّر فيها عوامل عديدة للنجاح، بالإضافة إلى وجوده هو نفسه: عوالم المساجين وكرة القدم في "كابتن مصر" (2015)، والتصوير في الهند وأجواء المخابرات في "جحيم في الهند" (2016)، والفيلمان لمعتز التوني؛ ثم كوميديا العصابات والغموض الرومانسي في "ليلة هنا وسرور" (2018) لحسين المنباوي، الذي يُعرض حاليًا. 

في هذه الأفلام الـ3، هناك مساحات كبيرة لضيوف الشرف ونجوم كوميديا الصف الثاني، كمحمد سلام ومحمد ثروت وبيومي فؤاد وغيرهم، كي يصبحوا شركاء معه، فتكون النتيجة نجاحًا ثالثًا على التوالي، في ثاني أكثر أفلام موسم عيد الفطر تحقيقًا للإيرادات، بعد "حرب كرموز" لبيتر ميمي. ذلك أنّ "ليلة هنا وسرور" حقّق في الأسبوع الأول من عروضه التجارية 14 مليونًا و707 آلاف و596 جنيها مصريا، بينما حقّق فيلم ميمي في الفترة نفسها 23 مليونًا و811 ألف جنيه مصري.





في جديد المنباوي هذا، يتعرّف سرور (محمد إمام) على هنا الطويل (ياسمين صبري)، ويخبرها بأنه رجل أعمال ناجح. يقع سريعًا في حبّها ويرغب في الزواج منها. في تقديمٍ كوميدي ذكي للفيلم، تُستغَلّ إمكانيات بيومي فؤاد ورحاب الجمل بشكل لافت للانتباه، وينتهي هذا الجزء بزواج هنا وسرور. ثم تبدأ الحبكة الأساسية بتعرّضهما لهجومٍ ليلة زفافهما من أشخاصٍ مجهولين. في لحظات الخطر والهروب، يخبرها سرور بأنه ضابط مخابرات مصري يعمل متخفّيًا، وأن عملاء "الموساد" الإسرائيلي يُطاردونه للحصول على معلومات يملكها. في البداية، تُصدّقه. لكن، مع استمرار الأحداث الجنونية، ينبع الشكّ في حقيقة كلّ واحد منهما.
ينتمي "ليلة هنا وسرور" إلى نوع من الأفلام الخفيفة التي صارت نادرة في السينما المصرية، والتي يُعتبر عادل إمام أحد أهم مقدّميها، في أفلام مثل "عصابة حمادة وتوتو" (1982) لمحمد عبد العزيز و"واحدة بواحدة" (1984) لنادر جلال و"بخيت وعديلة" (1995) لجلال أيضًا، إذْ تعتمد الكوميديا على علاقة عاطفية بين رجل وامرأة متناقضين أحدهما عن الآخر ودائمي الاختلاف، يخوضان معًا مغامرة "أكشن" ضد أشخاص أقوى منهما. محمد إمام، بذكاء كبير، يقرر ألّا يعمل في أفلام الحركة الصريحة التي "ضربت" السينما أخيرًا، ليصبح أكثر الأفلام إيرادات في تاريخ مصر "هروب اضطراري" (2017) لأحمد خالد، و"الخلية" (2017) لطارق العريان، وينضم "حرب كرموز" إليهما قريبًا.

إذًا، يُقرِّر محمد إمام عدم منافسة أحمد السقا وأحمد عزّ وأمير كرارة، رغم تكوينه الجسماني الحالي الذي يسمح له بذلك، ويذهب إلى نمط آخر تمامًا، يعيد عبره ـ وبنجاح ـ إنتاج ظلّ أبيه في أعماله المذكورة سابقًا، التي تُدمَج فيها الحركة بالكوميديا والرومانسية. كما أنه يُخصِّص حيّزًا واسعًا لشريكته ياسمين صبري. في تعاونهما الثاني بعد "جحيم في الهند"، تبدو الكيمياء بينهما أفضل بكثير، وفي الوقت نفسه يقدّم مشاهد حركة مقبولة (في تنفيذه لها بجسده، أو في آلية إخراج المنباوي)، ليحتلّ الفيلم تلك المنطقة الوسطى بين أكثر من نوع، جاذبًا شريحة كبيرة من الجمهور.

إلى جانب ذلك، فإن محمد إمام لم يُصبه الغرور بنجاح فيلميه السابقين، واستمرّ في النهج نفسه الذي يُظهر فيه اهتمامًا ملحوظًا بالسيناريو، معتمدًا على كاتبين موهوبين هما مصطفى صقر ومحمد عزّ الدين، اللذين كتبا معًا سيناريو "الحرب العالمية الثالثة" (2014) و"بنك الحظ" (2017)، وهما للمخرج أحمد الجندي، بالإضافة إلى كتابتهما أعمالاً كوميدية ناجحة وقوية.

ورغم أن "ليلة هنا وسرور" لا يملك جديدًا على مستوى الفكرة أو تطوّر الدراما، إلى درجة أن بعض مفاصله تبدو كأنها شوهدت سابقًا في أفلام عادل إمام أو في أفلام أجنبية، كـ"السيد والسيدة سميث" (2005) لدوغ ليمان، إلا أن السيناريو، في أقلّ تقدير، مكتوب بعناية، ومن دون فجوات ملحوظة في مسار أحداثه، والأهم أنه يعطي مساحة جيدة للأدوار المساندة كي تضيف إلى الفيلم، بحضورها الكوميدي أو الدرامي، فيكون حضور "ضيوف الشرف" جزءًا من القصّة لا فائضًا يهدف إلى جذب الجمهور. فممثلون كفاروق الفيشاوي وأحمد فهمي ومحمد سلام ومحمد عبد الرحمن يُضيفون الكثير في المشاهد كلّها التي يظهرون فيها.

هذا كلّه يجعل "ليلة هنا وسرور" أفضل أفلام موسم عيد الفطر في مصر وأمتعها.
دلالات
المساهمون