محكمة التمييز الكويتية تستعد للحكم النهائي بقضية "دخول المجلس" وسط غموض سياسي

18 فبراير 2018
حكم البراءة سيجنّب الحكومة والبرلمان المتاعب (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
تعقد محكمة التمييز الكويتية، اليوم الأحد، أولى جلساتها لإصدار حكم نهائي بشأن قضية دخول مجلس الأمة، التي أصدرت بشأنها محكمة الاستئناف أحكاماً بالسجن ضد 70 متهماً، بينهم نواب حاليون وسابقون في المعارضة، على خلفية اقتحامهم البرلمان عام 2011، احتجاجاً على قضايا فساد قالوا إن الحكومة تورّطت فيها، وسط تجهيز الحكومة والمعارضة سيناريوهات خاصة بهما في حال الحكم بقبول الطعن أو عدمه.

وسلّم كبار قادة المعارضة، الذين استطاعوا الخروج من البلاد قبل حكم محكمة الاستئناف السابق، أنفسهم للسلطات، قبل ساعات من عقد محكمة التمييز، وذلك لتمكينهم من تقديم دفوعهم في محكمة التمييز، كما يشترط القانون الكويتي. وعاد كل من القائد البارز في المعارضة البرلماني السابق، فيصل المسلم، فضلاً عن مبارك الوعلان ومحمد المطر وفهيد الهيلم، إلى الكويت، ومن المنتظر أن يسلّم بقية المحكومين أنفسهم أمام قاعة المحكمة اليوم، فيما لم يتبقّ من المحكوم عليهم في القضية ذاتها خارج البلاد سوى عدد من الذين فضّلوا اللجوء السياسي في هولندا وبريطانيا، لوجود أحكام قضائية أخرى بحقهم، فيما أعلنت المحكمة سماحها لـ 100 من أهالي المحكومين بالحضور إلى قاعة المحكمة اليوم، وتخفيف الحراسة الأمنية عليهم، في بادرة جديدة.


ومن المنتظر أن يلقي حكم محكمة التمييز بظلاله على الشارع السياسي الكويتي، في قضية وصفت بأنها الكبرى في البلاد منذ الغزو العراقي عام 1990، إذ حاول نواب البرلمان تمرير قانون يتضمّن العفو، خصوصاً عن "الجرائم" التي وقعت يوم اقتحام المجلس عام 2011، لكن الحكومة ونوّاباً آخرين رفضوا هذا القانون بحجة أنه غير عادل وغير دستوري.

وفي حال تقرير محكمة التمييز تأييد العقوبات التي أقرّتها محكمة الاستئناف، فإن أمام الحكومة خيارات عدة، أهمها إصدار قانون العفو العام عن الجرائم السياسية كافة، الذي سيشمل "خلية العبدلي" (حزب الله) و"خلية أسود الجزيرة" (تنظيم القاعدة)، بالإضافة إلى قضية دخول المجلس ذاتها وبقية الأحكام السياسية الصادرة بحق الناشطين السياسيين، أو إصدار عفو خاص عن قضية دخول المجلس فقط، وهو ما يعني دخول الحكومة في نفق أزمة جديدة، لأن أصحاب القضايا السياسية الأخرى، وعلى رأسها قضية خلية العبدلي، سيطالبون بمساواتهم.

أما في حال حكم محكمة التمييز بإعادة حكم المحكمة الأولية، القاضي بالبراءة لجميع المتهمين، فإن ذلك سيجنّب الحكومة والبرلمان على حدّ سواء، كثيراً من المتاعب والتسويات السياسية التي تلوح في الأفق، على الرغم من أن المعارضة قد تعرّضت للتمزّق نتيجة للخلافات الداخلية بعد سجن قادتها، إذ تفجّرت الخلافات بعد الاستجواب الفاشل الذي تقدّم به ثلاثة نواب لوزيرة الشؤون، نورية الصبيح، وهو ما يعني أن إمكانية التوصّل لصفقة من طرفين باتت أمراً غير ممكن.


وفي هذا الإطار، يقول الباحث السياسي والأكاديمي، عبد الرحمن المطيري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الوضع ضبابي إلى الآن، فالقضية تحتمل جدلاً سياسياً واجتماعياً وقانونياً"، موضحاً أنّ "الجدل السياسي يتمثّل في كيفية سجن 70 سياسياً في البلاد دفعة واحدة. والجدل الاجتماعي يتمثّل في تركيبة وانتماءات هؤلاء المساجين. أمّا الجدل القانوني، فهو في كيفية سجن نواب لا يزالون على رأس عملهم في البرلمان وهي سابقة تاريخية في الكويت".

ويلفت المطيري إلى أن المشكلة تكمن في أن "التوقعات حول هذه القضية ستعدّ ضرباً من الجنون، لأن كل شيء متداخل فيها، ولا يمكن لنا كمراقبين سياسيين ومتابعين للأوضاع عن كثب أن نلقي بأحكامنا حولها، لكننا نقول إنه في حال حكمت محكمة التمييز برفض الطعون وتأييد سجن الأعضاء وبقية السياسيين، فإن هناك عفواً قادماً عنهم وعن خلية حزب الله وعن خلية القاعدة، وذلك لتصوير أن العفو جاء للجميع من دون محاباة لأحد، ولفتح صفحة سياسية جديدة. أمّا إذا حكمت المحكمة بقبول الطعن ورفض أحكام محكمة الاستئناف، فيعني أن الجميع خرج رابحاً بمن فيهم الحكومة التي تمكّنت من سجن المقتحمين فترة تقارب ثلاثة أشهر بالقانون".


لكن الآثار السياسية في حال حكم محكمة التمييز بتأييد سجن المتهمين لن تكون محصورة في دائرة المعارضة فحسب، بل قد تصل إلى حلّ مجلس الأمة واستبدال الحكومة وصعود أفراد آخرين يطمحون إلى كرسي الوزارة داخل دوائر القيادة السياسية. وهو أمر يراه النائب البرلماني عادل الدمخي، ممكناً، إذ يقول لـ "العربي الجديد" إن "كل شيء ممكن في هذه القضية، ونحن كنواب للمعارضة منفتحون على أي تطور سياسي قد يحدث نتيجة لهذه القضية التي بقيت معلّقة منذ عام 2011، على الرغم من مرور ثلاثة برلمانات عليها، وصارت أطول قضية في تاريخ الكويت السياسي".

من جانبه، يوضح المحامي والخبير القانوني، مشاري العيادة، لـ "العربي الجديد"، أنه "لن تقوم المحكمة بتأييد الطعون أو رفضها في الجلسة الأولى، بل ستقوم بسماعها فقط من المحامين بحضور المتهمين شخصياً، وهو أمر واجب في القانون الكويتي لقبول الطعن شكلياً، ومن ثمّ ستقرر المحكمة، اليوم، إما استمرار حجز المتهمين وإما وقف نفاذ الحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف، مع منع المتهمين من السفر لحين تقرير حكمها النهائي. وهو الأمر الأقرب الذي ستقوم به، خصوصاً أن مدة السجن تكاد تصل لثلاثة أشهر ضد نخبة المجتمع ونوابه البرلمانيين الذين اختارهم الشعب، وهي سابقة تاريخية وقانونية في الكويت".

ويضيف العيادة أن "قرار المحكمة السماح لأهالي المتهمين بالحضور وتخفيف الحضور الأمني في المحكمة كلها عوامل تدفع للاعتقاد بأن القاضي سيوقف نفاذ الحكم لحين البت في القضية والحكم النهائي فيها".

وفي سياق متصل، أعلن وزير الصحة الكويتي، الدكتور باسل الصباح، نقل سجينين في القضية إلى مستشفى الفروانية بعد اشتباه في إصابتهم بمرض السحايا، وأن حالتهم مستقرة ولا خطر عليهم، فيما طالبت الحركات السياسية الحكومة بتوفير بيئة أفضل للمساجين، خصوصاً أن قضاياهم سياسية وليست جنائية، فيما واصل النائب السجين، وليد الطبطبائي، إضرابه عن الطعام لحين الإفراج عنه وعن بقية المساجين، بحسب قوله، بعد أن قاد إضراباً سابقاً انتهى بالفشل.

المساهمون