في عام 2010 ظهرت في أوروبا بعض الإكسسوارات الدينية الطريفة، ومنها مسجد محمول يحتوي على محراب وسجادة صلاة تركية، ومجموعة إضاءة تعطي تأثير أنوار المساجد، وسماعات للصوت ينطلق منها صوت المؤذن والإقامة، والأدعية المختلفة والابتهالات الرمضانية حسب اختيار المستهلك. كل تلك الإكسسوارات كانت مصنوعة من مواد خفيفة الوزن كالبلاستيك والورق المقوى والخشب الرقيق، وقد تعددت ألوانها ليختار منها الرجال والنساء والأطفال ما يشتهون.
وفيما ذهب رجال الدين الإسلامي لينتقدوا البدعة الجديدة، حسب وصف بعضهم، أو يستحسنوها باعتبارها وسيلة دعوة مبتكرة، لم يعلم كثيرون أن هذه الفكرة سبقهم إليها الفاطميون في مصر منذ قرون عديدة، فالمحراب المحمول والمنبر المتنقل وغيرها من رموز المساجد، كانت رائجة في العصر الفاطمي تبرّكا بمساجد آل البيت العلوي، واصطحابا لها في الحِل والترحال.
كانت للفاطميين نوادر عديدة في مصر؛ ففي أيامهم منعت النساء من السير بالشوارع والذهاب إلى الحمامات النسائية العامة وحرمن من النظر من نوافذ منازلهن رغم تغطيتها بالمشربيات الخشبية. كل ذلك اعتبره بعض الناس غيرة على الدين أو حمية بدوية على النساء. لكن الأمر كان يتسع إلى منع الناس من بيع الزبيب والعسل الأسود لأنهما تغيير لخلق الله، فالله خلق العنب والقصب، أما الزبيب والعسل الأسود فهما تشويه لذلك الخلق من وجهة نظر الفاطميين، كما منع الناس من زرع الملوخية والقرع والترمس، فهي نباتات جديرة بالمزرعة الملكية ولا يجوز أن يأكل منها العامة.
وفي متحف الفن الإسلامي بالقاهرة تقبع بعضٌ من نوادر الفاطميين وطرائفهم، أهمها المحراب المتنقل أو المحمول، وهو قطعة دينية رمزية كان القادة الفاطميون يحملونها معهم تبركا بالضريح الأصلي للسيدة رُقية. وترتفع نحو 210 سنتيمترات وطولها 111 سنتيمترا وعرضها 45 سنتيمترا، وهي عبارة عن هيكل خشبي مستطيل الشكل تتوسطه كوة منحنية. وواجهة المحراب مستطيلة أيضًا، وتتوسطها فتحة مستطيلة يعلوها عقد مدبب.
المحراب الخشبي هو نسخة مصغرة منقولة من مشهد السيدة رقية (رضي الله عنها)، الذي أنشئ في عام 1133 ميلادية في القاهرة، وهو تحفة فنية فريدة مزخرفة برسوم نباتية منمنمة وتفريعات كالأغصان تنتهي بمنحوتات على شكل ثمار العنب وأوراق نباتية خماسية وثلاثية. كما تزينه حشوات مضلعة تشكل في تجمعاتها وحدات هندسية من نجوم سداسية وخماسية. وتحيط بالزخارف على المحراب كتابة بالخط الكوفي تقول: إن من أمر بعمل هذا المحراب هو "الجهة الجليلة المحروسة الكبرى علم الآمرية"، والتي كان يقوم على خدمتها والعمل عليها القاضي أبو الحسن مكنون برسم مشهد السيدة رقية ابنة أمير المؤمنين علي. و"علم الآمرية" هي زوجة الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.
كانت الدولة المصرية الخديوية قد قامت بجمع التحف والآثار الإسلامية المنتشرة وقتها بالمساجد والمباني التاريخية بالقاهرة ووضعتها محفوظة في جامع الحاكم بأمر الله، وهي المقتنيات التي أصبحت في ما بعد العمود الفقري لمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة الخديوية الذي يوجد بوسط القاهرة. كان المحراب المتنقل قد تعرض للتحطم عندما انفجرت سيارة ملغومة في مديرية أمن القاهرة المواجهة للمتحف عام 2014، وتسبب الانفجار بتحطيم العديد من مقتنيات متحف الفن الإسلامي. لكن أعيد ترميم المحراب ثانية وتركيبه ثم عرضه في المتحف بعد تجديده بالكامل على نفقة اليونسكو.
اقــرأ أيضاً