محاولة أخيرة لتجنيب إدلب المعركة

15 سبتمبر 2018
واصلت تركيا إرسال تعزيزات إلى حدودها مع سورية(جيم جينكو/الأناضول)
+ الخط -
تستعد روسيا وتركيا لجولة جديدة من المباحثات حول سورية، ومصير محافظة إدلب تحديداً، في لقاء سيجمع يوم الإثنين المقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي، إلا أن الأجواء التي سبقته أمس الجمعة دلت على استمرار التباعد في وجهات النظر بين الطرفين، مع إعلان موسكو صراحة أنها ستواصل ضرباتها على إدلب، وإعرابها عن القلق من "التمركز المكثف للإرهابيين في المدينة ونشاطهم المزعزع للاستقرار"، مقابل تشديد أنقرة على سعيها إلى وقف الهجمات على إدلب، بما يرجح أن لا يبتعد لقاء سوتشي في نتائجه عن قمة طهران الثلاثية، التي عُقدت قبل أيام وجمعت إلى بوتين وأردوغان نظيرهما الإيراني حسن روحاني، وانتهت بلا أي اتفاق حول إدلب، بل أظهرت تباعداً كبيراً في وجهات النظر. كذلك فإن التحركات العسكرية للطرفين في إدلب وعند حدودها، تشير إلى تحضير لصدام، فأنقرة تعزز وجودها على الحدود السورية وفي المحافظة، بالتوازي مع الكشف عن إرسالها مساعدات عسكرية لفصائل المعارضة هناك، مقابل إرسال النظام السوري وحلفائه مزيداً من القوات إلى محيط إدلب، بما يدل على أن التوقعات تميل للمواجهة.

وأعلنت أنقرة وموسكو أمس عن لقاء بين أردوغان وبوتين ستحتضنه سوتشي الروسية الإثنين المقبل، لبحث الوضع في سورية. واستباقاً للقاء، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، استعداد بلاده "للتعاون مع الجميع حول مسألة مكافحة التنظيمات الإرهابية في إدلب"، مضيفاً "لكن قتل مدنيين ونساء وأطفال من دون تمييز، بذريعة مكافحة منظمة إرهابية، ليس أمراً إنسانياً". وأعلن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الباكستاني شاه محمود قريشي، عقب لقاء بينهما في إسلام أباد، أن تركيا تنتهج السياسة الأكثر وضوحاً في سورية على وجه العموم ومحافظة إدلب بشكل خاص، وهي تريد السلام والحل السياسي في سورية. وأوضح أن بلاده تبذل جهوداً حثيثة على مستويات مختلفة من أجل وقف الهجمات على إدلب، وأنها تناقش هذه المسألة مع جهات أخرى.

في المقابل، كان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف يعلن أن بلاده ستواصل قصف "أهداف عسكرية" في محافظة إدلب إذا كانت هناك حاجة إلى ذلك، نافياً "ما يُقال حالياً عن بدء هجوم القوات السورية بدعم روسي على إدلب، فالقوات السورية ونحن نرد فقط على الهجمات من المنطقة". وخلال اجتماع للمنتدى الألماني الروسي في برلين، أشار إلى أن روسيا تمتلك معلومات استخباراتية عن مواقع في إدلب تعمل فيها ورشات سرية متخصصة في تركيب طائرات مسيرة، معلناً أن روسيا ستقوم باستهداف هذه "المعامل السرية التي تصنع السلاح الفتاك" فور ورود معلومات عن نشاطاتها في أي مكان. كما أعلن أن بلاده ستقوم بإنشاء ممرات إنسانية "وسيتم التشجيع على التهدئة المحلية بكل الطرق الممكنة"، مضيفاً "سنفعل كل شيء حتى لا يتضرر السكان المدنيون". في السياق نفسه، كان بوتين يبحث مع أعضاء مجلس الأمن الروسي أمس، الوضع في إدلب، بحسب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الذي أشار إلى أنه تم خلال اللقاء "الإعراب عن القلق إزاء التمركز المكثف للإرهابيين في المدينة ونشاطهم المزعزع للاستقرار".

واستدعت التصريحات الروسية رداً من المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، الذي قال إنه من السابق لأوانه الحديث عن ممر إنساني بشأن إدلب السورية. كلام كالين جاء بعد اجتماع عُقد في مدينة إسطنبول التركية، أمس الجمعة، بين ممثلين عن تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا. وأوضح المسؤول التركي أن المجتمعين توصلوا إلى توافق على أن نتيجة أي هجوم على إدلب ستكون حادة، محذراً من موجة جديدة من اللاجئين السوريين قد تسبّب أزمة تصل إلى أوروبا. وأعلن "أننا نتطلع إلى حماية الوضع الراهن لإدلب وحماية المدنيين، والحيلولة دون حدوث أزمة إنسانية".


الجهود السياسية لتجنيب إدلب المعركة، يقابلها حراك عسكري استعداداً لجميع الاحتمالات. فقد واصل الجيش التركي أمس إرسال تعزيزات عسكرية لدعم وحداته المنتشرة على طول الحدود مع سورية. ووصلت إلى ولاية كليس، أمس الجمعة، قافلة تعزيزات جديدة، ضمت مركبات عسكرية وشاحنات محملة بالمدافع. في السياق، أجرى رئيس الأركان التركي يشار غولر، وقائد القوات البرية أوميت دوندار، جولة تفقدية على الوحدات العسكرية في ولايتي غازي عنتاب وهطاي الحدوديتين مع سورية.

في المقابل، أفادت وكالة "د ب أ" أن وزير الدفاع في النظام السوري، علي أيوب، تفقد أمس قوات النظام في ريفي حماة وإدلب. ونقلت الوكالة عن مصادر أن "وزير الدفاع تفقد التشكيلات القتالية في منطقة جورين بريف حماة الغربي والجبهات المتقدمة في ريف إدلب، وأن ذلك يُعتبر مؤشراً على قرب المعركة في منطقة جورين، ومعركة جسر الشغور".

ورأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تركيا "استطاعت أن تثبت وجودها عبر درع الفرات وغصن الزيتون، فيما إدلب تُعتبر محمية منها، وهي تدرك أننا أصبحنا في المرحلة النهائية للصراع ومن لا يكون له حضور عسكري لن يجلس على الطاولة النهائية للتفاوض، لذلك هي غير مستعدة للانسحاب". وأضاف أن "تركيا تدرك أن هذه المناطق هي مناطق أمن قومي لها، والبديل عنها إما المليشيات الإيرانية أو الأحزاب الكردية".

في موازاة ذلك، كان المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا يعقد اجتماعاً أمس في جنيف مع ممثلي "المجموعة المصغرة"، تسلّم خلاله رؤية المجموعة للحل المستقبلي في سورية. وتضم المجموعة الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والسعودية والأردن، بالإضافة إلى مصر. وشملت المبادئ التي حددتها تلك الدول بشأن رؤيتها للحل في سورية، الحكومة المستقبلية والعملية السياسية والانتخابات الدستورية وآلية سير الانتخابات. وشددت على أنه يجب أن تجرى العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة في متابعة للقرار 2254، مؤدية إلى إصلاحات دستورية وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وينبغي للعملية السياسية أن تنتج مساءلة وعدالة انتقالية ومصالحة وطنية حقيقية. وركزت المبادئ التي حددتها هذه الدول على إبعاد إيران من سورية، وتعديل صلاحيات الرئيس ومنح صلاحيات أوسع لرئيس الحكومة لتحقيق توازن أكبر في السلطة، وضمان استقلالية المؤسسات الحكومية المركزية والمناطقية.

وحسب البنود المطروحة، يجب أن يترأس الحكومة رئيس وزراء يتمتع بصلاحيات أكبر مع فصل واضح للسلطات، وألا يخضع تعيين رئيس الحكومة ووزرائها لموافقة الرئيس. كذلك تضمّنت المبادئ ألا تكون الحكومة المقبلة راعية للإرهابيين وتنهي على نحو موثوق برامجها لأسلحة الدمار الشامل، وأن تخلق شروطاً لعودة اللاجئين طوعاً بمشاركة الأمم المتحدة، وتلاحق وتعاقب مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.

المساهمون