وبدا المجلس هذه المرة أكثر إصراراً على الحسم وبتأييد واسع من الحزبين، إذ صوّت بأكثرية 63 ضد 37 (49 ديمقراطيا و14 جمهوريا)، على طرح مشروع القرار هذا على النقاش ثم التصويت النهائي عليه خلال الأسبوع المقبل.
وجاء هذا التأييد العارم ليعكس "النقمة" العالية في الكونغرس على الحرب والسعودية معاً، وذلك على خلفية جريمة قتل جمال خاشقجي، و"دفاع الرئيس دونالد ترامب عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان"، رغم تأكيد وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" و"بثقة عالية" على مسؤوليته فيها.
وازدادت النقمة بعد الأنباء التي نفاها مستشار الأمن القومي جون بولتون، عما قيل حول إيعاز البيت الأبيض بعدم حضور رئيسة وكالة المخابرات المركزية الأميركية جينا هاسبل أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لإطلاع أعضائها على المعلومات التي تملكها حول قتل خاشقجي، والتي حصلت على أهمها من الأتراك.
على هذا الأساس، كان من المرجح أن يمر المشروع الأسبوع المقبل بأكثر من 50%، حسب تقدير السيناتور بيرني ساندرز، أحد رعاة القرار.
ولم تنفع في هذا السياق التحذيرات والمرافعات والمناشدات التي قدمها أول أمس وزيرا الخارجية مايك بومبيو والدفاع جيمس ماتيس أمام اللجنة لحملها على صرف النظر عن مثل هذا التوجه.
لكن الآن قد تتغير حسابات الجمهوريين بما يهدد بنسف المشروع في مجلس الشيوخ. فالتحقيقات الروسية أخذت شحنة جديدة من تضييق الحصار على الرئيس. محاميه السابق مايكل كوهن، اعترف أمام المحكمة بأنه سبق وكذب على الكونغرس عندما "أنكر" علمه بوجود محادثات كان ضالعاً فيها بين الروس وشركة ترامب أثناء الحملة الانتخابية لبناء "برج ترامب" في موسكو.
وسرت معلومات على الأثر بأنه جرى آنذاك التلميح للجانب الروسي بـ"تقديم شقة فخمة" بقيمة 50 مليون دولار "كهدية" للرئيس فلاديمير بوتين لو تحققت الصفقة.
وبقطع النظر عن صحة رواية الشقة – الهدية، ينطوي اعتراف كوهين على مؤشر بأنه ربما يكون قد أعطى معلومات روسية أخطر إلى المحقق روبرت مولر، فهو بحكم مشاركته في حملة ترامب وقربه من أعمال شركته، ولمدة أكثر من عشر سنوات، يعرف الكثير من الأمور التي قد تكون مؤذية للرئيس.
يضاف إلى ذلك أن هذا التطور جاء بعد يومين من تنامي الشكوك حول صفقة محتملة بين الرئيس ومدير حملته الانتخابية بول مانافورت، الذي أوقف تعاونه فجأة مع المحقق مولر، مقابل وعد بـ"عفو" رئاسي، حسب التكهنات والتفسيرات المختلفة، الأمر الذي عزز الريبة بوجود معلومات خطيرة لدى مانافورت ومن الصنف المؤذي للرئيس.
وتزامن ذلك مع قيام موسكو بحجز 3 قوارب أوكرانية في ممر كيرتش قرب شاطئ جزيرة القرم، بزعم أنها دخلت المياه الإقليمية الروسية. ذريعة اعتبرتها دوائر وأوساط أميركية بأنها "عملية استفزاز" أراد بوتين حملها معه إلى قمة العشرين في الأرجنتين من موقع القوة.
ترامب عاد وألغى اللقاء مع بوتين بحجة استمرار روسيا في حجز القوارب الثلاثة. ذريعة بدت للاستهلاك، وإلا كان عليه من البداية ربط الاجتماع مع بوتين بالإفراج عن القوارب.
تضافر هذه التطورات وضغوطها خرّبت على الرئيس ترامب أي مردودات من قمة العشرين، وبذلك ازدادت حاجته للجمهوريين الذين تمردوا عليه في موضوع اليمن والسعودية، لذلك اضطر إلى إرضائهم بإلغاء اللقاء مع بوتين لأكثر من سبب، على أمل مبادلته بتجديد الالتفاف حوله في هذا الوقت، وخاصة في موضوع الدعم للسعودية في حرب اليمن، فهو لا يحتمل خسارة دعم الحرب بعد أن بقي لوحده في دعم القيادة السعودية بقضية خاشقجي، التي لم تبارح واشنطن بعد.
وقد رفعت دائرة الطرق في العاصمة، أول من أمس، توصية بتسمية الوصلة في جادة نيوهمبشاير التي تقع فيها السفارة السعودية باسم "شارع جمال خاشقجي". ويبقى أن يوافق المجلس البلدي على التوصية.
اليوم، تكمن خشية بعض الديمقراطيين في أن ينجح الرئيس في استعادة الجمهوريين إلى جانبه في دعم حرب اليمن.