سقط أكثر من 14 قتيلاً من المدنيين، بالإضافة إلى عدد من الجرحى، بينهم أطفال ونساء، أمس الثلاثاء، في ظل ارتفاع وتيرة القصف بمختلف أنواع الأسلحة، بما فيها الجوي، من قبل الروس والنظام، وذلك غداة إعلان القمة الروسية الأميركية العمل على إعادة الوضع في الجنوب السوري لما كان عليه قبل العام 2011، وضمان أمن إسرائيل.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، عقب قمتهما في العاصمة الفنلندية هلسنكي، أول من أمس، إنه من الضروري، بعد دحر الإرهابيين من جنوب غرب سورية، "تكييف الوضع في مرتفعات الجولان بالتوافق التام مع الاتفاق المؤرخ بالعام 1974 حول فصل القوات الإسرائيلية والسورية، وضمان أمن دولة إسرائيل بشكل وثيق". وأضاف بوتين "الرئيس ترامب أولى اهتماماً خاصاً لهذا الموضوع، وأود التأكيد على أن روسيا مهتمة بهذا التطور للأحداث وستلتزم بهذا الموقف بالضبط"، معتبراً أن اتخاذ هذا الإجراء سيمثل خطوة في طريق إحلال سلام عادل وصارم في المنطقة على أساس القرار 338 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الناتج عن حرب 1973 بين سورية وإسرائيل. بدوره، لفت ترامب، في المؤتمر، إلى أنه اتفق مع بوتين على ضرورة ضمان أمن إسرائيل في ظل التطورات الجارية في سورية، وأنه أكد "بوضوح" لنظيره الروسي أن الولايات المتحدة لم تسمح لإيران بالاستفادة من الحملة الناجحة ضد تنظيم "داعش" في المنطقة.
وفي السياق الحالي لكلام ترامب وبوتين عن التزامهما بأمن إسرائيل من الجهة السورية، لا يستبعد أن يكون قد حصل اتفاق بين الرجلين، تكميلي للمفاوضات الروسية الإسرائيلية حول السماح بعودة قوات بشار الأسد إلى حدود الجولان المحتل والمنطقة الجنوبية عموماً، شرط إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات المحسوبة على طهران عن تلك المنطقة، لمسافة تراوح التقديرات حولها بين 30 كيلومتراً، بحسب ما تقترح موسكو، و80 كيلومتراً مثلما ترغب تل أبيب. ويبدو أن أهم الدول الفاعلة في الأزمة السورية، وهي روسيا وأميركا، قد اتفقتا على أن بوصلة أعمالهما في سورية هي أمن إسرائيل وضمان حمايتها، والوصول إلى سلام شامل بين سورية وإسرائيل، الأمر الذي يعتبر جزءاً مما بات يعرف بـ"صفقة القرن". فبحسب تصريحاتهما المشتركة، فإنهما ينويان العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين القوات السورية والإسرائيلية، الموقعة في 31 مايو/ أيار 1974 في جنيف، بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأميركية، والتي جمدت الجبهة مع إسرائيل المُحتلة لهضبة الجولان السورية منذ العام 1967. واعتبرت أن هذه الاتفاقية لا تُعد اتفاقية سلام نهائي، رغم أنها خطوة نحو سلام دائم على أساس قرار مجلس الأمن رقم 338 المؤرخ في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1973. وقد وافقت إسرائيل بموجب الاتفاقية على التخلي عن الشريط الذي احتلته في حرب أكتوبر، وكذلك عن شريط ضيق من الأرض حول القنيطرة، ووافقت سورية وإسرائيل على تحديد قواتهما على عمق 20 كيلومتراً من خطوطهما الأمامية، وألا توضع منظومات "سام" المضادة للطائرات من الجانب السوري ضمن منطقة عمقها 25 كيلومتراً. وكانت إسرائيل قد احتلت في العام 1973 إلى جانب الجولان جيباً يصل إلى نحو 40 كيلومتراً عن دمشق، حتى باتت تهدد باحتلالها.
وبالرغم من أن الاتفاقية دفعت بها للانسحاب من هذا الجيب، بما فيه مدينة القنيطرة، وأرض مساحتها 60 كيلومتراً مربعاً حولها، إلا أنها فرضت حزاماً أمنياً منزوع السلاح تماماً على طول الحدود، عرضه يبدأ بعشرات الأمتار جنوباً، ويتسع ليصبح بعرض 6 كيلومترات قبالة القنيطرة ثم يصبح 10 كيلومترات في جبل الشيخ. كما نص الاتفاق على وجود منطقتين إضافيتين محدودتي السلاح على جانبي الحدود، الأولى وعرضها 10 كيلومترات يسمح فيها لكل طرف بإدخال 75 دبابة وستة آلاف جندي إليها فقط، والثانية تليها وعرضها أيضاً 10 كيلومترات، ويسمح لكل طرف بأن يدخل إليها 450 دبابة من دون تحديد عدد الجنود. كما تم الاتفاق على أن يتمتع كل طرف بحرية الطيران العسكري في سماء بلاده. لكن ما خص به الاتفاق الجانب السوري هو ألا تدخل صواريخ "سام" مضادة للطائرات في الأرض السورية بعمق 25 كيلومتراً.
ويرى مراقبون أن تأكيد بوتين، المدعوم بشكل واضح من قبل نظيره الأميركي، على تفعيل اتفاقية فض الاشتباك القائمة على أساس قرار مجلس الأمن رقم 338 لعام 1973، يرمي إلى الاعتماد على القرارات ذات الصلة للولوج إلى اتفاق سلام بين الطرفين ينهي الصراع العربي الإسرائيلي، إذ نص القرار على أن مجلس الأمن "يدعو جميع الأطراف المعنية إلى البدء فوراً، بعد وقف إطلاق النار، بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 بجميع أجزائه، ويقرر أن تبدأ فور وقف إطلاق النار وخلاله مفاوضات بين الأطراف المعنية تحت الإشراف الملائم بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط".
ميدانياً، قال الناشط الإعلامي في منطقة الجولان في القنيطرة، أبو عمر الجولاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الطوافات التابعة للنظام استهدفت عبر البراميل المتفجرة مركز إيواء للمدنيين في بلدة عين التينة، ما تسبب بسقوط 10 قتلى، إضافة إلى نحو 20 جريحاً، بحسب الإحصائيات الأولية"، فيما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن عدد القتلى ارتفع إلى 14، بينهم خمسة أطفال. وقتل مدني في غارات روسية استهدفت بلدة العالية في ريف درعا الغربي عند الحدود الإدارية مع القنيطرة، بحسب المرصد. من جهتها، قالت مصادر محلية في القنيطرة: "شهدت العديد من المناطق هجمة شرسة، عبر القصف الجوي والمدفعي، عقب سيطرة النظام على تل الحارة، إذ تم استهداف المناطق السكنية للمدنيين بشكل مباشر. كما تواصل قصف تل الجابية الواقع بين نوى والمعلقة". وبينت أن "عمليات النزوح ما زالت متواصلة من مختلف مناطق المعارضة في القنيطرة وريف درعا الغربي، باتجاه ريف القنيطرة الجنوبي، محاولين المكوث قرب الشريط الأمني على حدود الجولان المحتل، إذ إن هناك اعتقاداً بأن المنطقة منزوعة السلاح قد تكون بعيدة عن القصف، بالرغم من أن هناك ناشطين أفادوا بأن الطيران الروسي استهدف عدة نقاط من تلك المنطقة". وأجبرت قوات الاحتلال 200 سوري على الابتعاد عن السياج العازل مع الجولان. وذكرت المصادر المحلية أن "الواقع الإنساني بتدهور يومي، إذ لا أماكن تأوي النازحين وتحميهم من الشمس الحارقة، كما أن هناك أزمة نقص في المواد الغذائية والطبية ومياه الشرب، في ظل شبه غياب تام للمنظمات الإنسانية وإغلاق تام للحدود".