متلازمة التهابية... أطفال فرنسيون في غرف الإنعاش

05 مايو 2020
الأطفال ليسوا بمنأى (ستيفان دي ساكوتين/ فرانس برس)
+ الخط -

تسجّل فرنسا خلال الأيام الأخيرة إصابات بين الأطفال بمتلازمة التهابية تستدعي دخولهم غرف الإنعاش في المستشفيات، وما زال الأطباء يبحثون إن كان لهذه المتلازمة أي ارتباط بفيروس كورونا الجديد. لكن الأمر الإيجابي هو أن الأطفال يتماثلون للشفاء سريعاً

في وقت بدأت المستشفيات الفرنسية تلتقط أنفاسها مع الانخفاض التدريجي في عدد المصابين بفيروس كورونا الجديد الذين يتلقون الرعاية في أقسام الإنعاش أو يدخلون أقسام الإسعاف يومياً، تسجّل البلاد منذ أيام ظاهرة معاكسة تتمثل في استقبال مستشفيات أعداداً غير اعتيادية من الأطفال المصابين بـ"متلازمة التهابية" نادرة تستدعي دخولهم غرف الإنعاش. وزادت المخاوف حول علاقة هذه الطفرة بفيروس كورونا الجديد.

"منذ 15 إبريل/ نيسان الماضي ونحن نشهد دخول أطفال يعانون من المشاكل نفسها إلى المستشفيات: ارتفاع الحرارة المتواصل لأيام، آلام في البطن، طفرة جلدية طفيفة أحياناً، مشاكل في الأوعية الدموية وعضلة القلب، ما يصنّف في إطار التهابات حادة"، يقول سيلفان رونولو، رئيس قسم الإنعاش والمراقبة الطبية في مستشفى "نيكر" للأطفال في باريس.

يضيف رونولو، في حديث أدلى به مع عدد من زملائه الأطباء، لعدد من الوسائل الإعلامية من بينها "العربي الجديد"، أن المستشفيات الفرنسية استقبلت حتى الآن أكثر من 20 طفلاً يحملون هذه الأعراض، غالبيتهم في إقليم إيل-دو-فرانس في باريس، مع تسجيل حالات فردية في مدن مثل ليون ونانسي ورانس. يضيف أن جميع هؤلاء الأطفال احتاجوا إلى دخول أقسام الإنعاش، وتلقوا دعماً لنشاط القلب والدورة الدموية، مشيراً إلى أن "حالتهم جميعاً تطوّرت إلى الأفضل بعد ثلاثة إلى أربعة أيام" من العلاج.


وأعلن النائب في مجلس الشيوخ، ألان ميلون، خلال جلسة لمناقشة سياسة الحكومة، أن فريق أطباء مستشفى "نيكر" في باريس، الذين يتابع حالة هؤلاء الأطفال، أخبره بأن عدد الأطفال الذين عالجتهم المستشفيات الفرنسية من هذه الإصابة الشبيهة بمرض كاواساكي "تجاوز الـ 60" منذ 15 أبريل/نيسان.

من جهته، يقول رئيس قسم أمراض القلب الخاص بالأطفال في المستشفى نفسه، البروفسور داميان بونيه، إن سرعة التعافي هي "خبر جيد" في ما يتعلق بهذه الإصابات. ويشير إلى أن هذه المتلازمة التي تصيب الأطفال تشبه مرض كاواساكي النادر، الذي يصيب الأطفال دون الخامسة، ويتمثل في التهاب الأوعية الدموية، مسبباً حمى مرتفعة ومستمرة لأيام عدة ومشاكل جلدية في بعض الأحيان. ويقول بونيه إن الأدوية المستخدمة عادة لعلاج هذا المرض أظهرت "فعالية سريعة" لدى الأطفال العشرين المصابين.

لكنّ قائمة الأعراض التي تظهر على الأطفال الفرنسيين المصابين لا تنحصر تماماً بالأعراض التقليدية لمرض كاواساكي، وتبدو أحياناً أكثر شدة منها. كما أن أعمار المصابين تفوق أحياناً الخمس سنوات، وتتراوح ما بين 3 و17 عاماً، مع متوسّط يقارب 9 سنوات ونصف السنة. ويشير إلى أن وتيرة وصول الأطفال المصابين إلى المستشفيات الفرنسية شبه مستقرة، ويجري تخصيص سريرين لهم يومياً في غرف الإنعاش. ويقول إنّ انخفاض أعداد المصابين والذين يتلقون علاجات مكثفة من البالغين سيسمح برفع أعداد أسرّة الإنعاش الخاصة بالأطفال.

هل ثمّة علاقة للمرض بكورونا؟

يقول البروفسور سيلفان رونولو إنّ نتائج التحاليل أظهرت أنّ الأطفال تعرّضوا في وقت ما لفيروس كورونا. كما بيّنت تحاليل الجينات (من خلال تقنية PCR) حمْل بعضهم الفيروس على نحو طفيف لدى وصولهم إلى المستشفى، وأنّ التقاط البقية فيروس كورونا يعود إلى ثلاثة أو أربعة أسابيع مضت.

من جهته، يقول مدير فريق الأزمات الطبية في مستشفيات باريس، البروفسور برونو ريو، إنّ "ثمة رابطاً في الأغلب" بين الإصابة بالفيروس التاجي والإصابة بهذه المتلازمة الشبيهة بمرض كاواساكي. يضيف: "إن لم يكن رابطاً سببيّاً، فهو رابط تزامن".

سجلت البلاد أكثر من عشر حالات لأطفال يعانون من التهاب حول القلب (ستيفان دي ساكوتين/ فرانس برس)  


من جهته، يسجّل البروفسور داميان بونيه "الفارق الزمني" بين هذه الإصابات لدى الأطفال والإصابات بكورونا لدى البالغين، وهو فارق يُحسب بالأسابيع. يضيف أنّ حالات الأطفال تُظهر أن "عاصفة السيتوكين"، المتمثلة في ردّ فعل مبالغ به للجهاز المناعي، تحدث لدى الأطفال في وقت متأخر مقارنة بالبالغين، كما أنها لا تصيب الرئتين، كما هو الحال عند البالغين، بل عضلة القلب. وعلى الرغم من إشارته إلى الارتفاع الكبير في عدد الأطفال المصابين بالمرض، والذي لا يتجاوز عادةً الحالة الواحدة شهرياً، إلا أن البروفسور بونيه، مثل بقية زملائه، يشدد على ضرورة الحذر في ما يخص العلاقة بين كورونا وهذه المتلازمة، موضحاً أنه "لا يمكننا الآن أن نقول بوجود رابط سببيّ. ربما سيمكننا فعل ذلك يوماً ما".

أما الإدارة العامة للصحة، فترى أنه "من غير المرجّح أن يكون مرض كاواساكي عرضاً آخر للإصابة بفيروس كورونا". لكنّها في المقابل، تشير ردّاً على سؤال لـ "العربي الجديد"، إلى أنه "المعقول لأطفال أصيبوا بمرض فيروسي مثل كوفيد-19 أن تتطوّر لديهم إصابة بمرض كاواساكي في نهاية المطاف".

كاواساكي

يقول مسؤول قسم الإسعاف الخاص بالأطفال في مستشفى نيكر، جيرار شيرون، إن أيّ ارتفاع في درجة حرارة الطفل لا يعني إصابة خطيرة بمرض كاواساكي، مشيراً إلى أن الحالات المصنفة خطيرة عادة ما تعاني ارتفاعاً مستمراً في درجة الحرارة يتجاوز الـ 72 ساعة أو حتى الخمسة أيام، من دون تمكّن الطبيب من تحديد سبب لذلك. يضاف إلى ما سبق ضعف في وعي الطفل وقدراته الذهنية، ورفضه للطعام، مع الشكوى من آلام في البطن أو التقيّؤ أو الإسهال.

ولدى سؤاله عمّا إذا كانت فرنسا على علم بحالات مشابهة في بلد مثل الصين، يقول ريو: "لم نسمع بشيء من هذا القبيل". لكن فرنسا ليست البلد الأوروبي الوحيد الذي يحصي حالات كهذه، إذ يؤكد سيلفان رونولو أن حالات مماثلة سُجلت في إيطاليا وإسبانيا إضافة إلى بريطانيا التي حذرت نهاية الأسبوع الماضي من إصابات بالمرض.



واكتُشِف مرض كاواساكي للمرة الأولى في اليابان عام 1967، من قبل طبيب الأطفال توميساكو كاواساكي. ويعدّ هذا المرض نادراً في أوروبا، ولا يصيب عادةً أكثر من 5 من بين كل 100 ألف طفل. لكنه يصيب في بلد مثل اليابان نحو 200 طفل دون الخامسة من أصل 100 ألف.

يشار إلى أن أطباء من إيطاليا وبريطانيا يبحثون في احتمال وجود صلة بين فيروس كورونا ومجموعة من الأمراض الالتهابية الشديدة، لدى الأطفال الذين يصلون إلى المستشفيات وهم يعانون من حمى شديدة وتورم في الشرايين.

دلالات
المساهمون