متكأ الحبشة

21 مايو 2015
أبو صبحي التيناوي / سورية
+ الخط -

شتاء 1880 غادر الشاعر الفرنسي آرتور رامبو ميناء عدن مثقلاً بغربته، وبأكياس البن الخولاني وصناديق البنادق، ليبيعها في سوق "هرر"، عاصمة الحبشة لما يقارب ألف عام. سار الشاعر المريض متثاقل الخطى، لم يكتب قصيدة واحدة في إثيوبيا، بل كانت رسائله منها آخر ما كتب.

وفي حين سخرت قصائده الباريسية من رجال الدين والسياسة، انتهى به المطاف ليفخر بصداقتهم؛ هنا يلبي طلب الإمبراطور منليك الثاني بشحنة أسلحة، وهنا يصادق حاكم إقليم هرر راس كونين، والد الإمبراطور هيلاسيلاسي.

يقع القصر الإمبراطوري على بعد مئات الأمتار من المتحف الوطني في أديس أبابا. وفي ساحة المتحف يوجد تمثالان أحدهما لهيلاسيلاسي، والآخر للشاعر الروسي بوشكين يدير رأسه نحو هرر، مسقط رأس جدّه من جهة الأم؛ إبراهام جانيبال، الذي مات بوشكين قبل أن يكمل كتابة Peter the Great's Negro؛ سيرة أرادها أن تحتفي بجدّه الحبشي.

كان رامبو في سوق هرر يبيع الأسلحة، ولربما باع مسدساً شبيهاً بالذي قُتل به بوشكين في مبارزته الخاسرة. وهنا لا بد أن نتذكر شاعراً آخر هو عنترة بن شداد، أو كما كان يسميه قومه ابن زبيدة، أو "ابن الحبشية" الذي مات متكئاً على رمحه.

يقول ستيفن سبندر عن الشعر: "أعظم الشعر هو ما يكتبه شخصٌ يجهد نفسه ليذهب إلى أبعد مما يمكن". رامبو وبوشكين وعنترة ذهبوا بعيداً في المكان والزمان، ليلتقوا في اتكاءة على بلاد الحبشة.
المساهمون