متغيرات في مقاومة العدوان

22 يوليو 2014

غزيّون يتظاهرون دعماً للمقاومة قبل العدوان بأيام (30يونيو/2014/الأناضول)

+ الخط -

ليست غزة أرقى المدن، وليست أكبر المدن. ولكنها تعادل تاريخ أمة. لأنها أشد قبحاً في عيون الأعداء، وفقراً وبؤسا وشراسة. لأنها أشدنا قدرة على تعكير مزاج العدو وراحته، لأنها كابوسه... لأنها كذلك، فهي أجملنا وأصفانا وأغنانا وأكثرنا جدارة بالحب: محمود درويش.

مرة أخرى، يلجأ الكيان الإسرائيلي إلى العدوان والقتل والتخريب، وتوجيه كل ما يملك من قوة عسكرية جويةٍ وأرضيةٍ في اتجاه غزة المقاومة، وممارسة حرفته التي يتقنها باستمرار؛ حرفة تصفية الأطفال والنساء وتهديم المنازل الآمنة، وإلحاق أكبر قدر ممكن من الدمار والخراب بالبلاد والعباد، زاعما أن ذلك سيضع حداً مطلقاً للمقاومة الفلسطينية، باختلاف انتماءاتها الإسلامية والعلمانية! بيد أن العدوان الصهيوني الإرهابي الحالي فوجئ بمتغيرات لم تكن في الحسبان، على الرغم من استناده إلى كم هائل من المناورات والخطط الحربية، وكثرة الدراسات الإستراتيجية والتنبؤية بالغة "الدقة".

ولعل أهم هذه المتغيرات، اللُحمة منقطعة النظير بين شعب غزة وقيادات المقاومة الفلسطينية الباسلة، والإصرار المتبادل على مواصلة النضال، لإرغام العدو المحتل على تغيير وجهة نظره، إن كان له نظر، إزاء الشعب الفلسطيني الأبي، في القطاع والضفة الغربية، هذا الشعب الذي لا يملك ما يخسره، وهو يدافع عن وجوده ووطنه وأرضه، بشجاعة.

أما المتغير الثاني فيتمثل في ما أصبح يسمى بتوازن الرعب في غياب توازن القوة، صحيح أن إسرائيل دولة قوية جداً، عسكرياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، غير أنها وجدت نفسها أمام شبابٍ مقاوم يستخدم ألواناً من الأسلحة التي لم يكن يستعملها في حروبٍ سابقة، من طائرات وصواريخ بالغة الأهمية، إن لم تكن قد ألحقت أضراراً محورية بالعدو الصهيوني، فإنها قتلت ودمرت وأرعبت المستوطنين والجنود الإسرائيليين، على الرغم من التعتيم الذي تضربه سلطة الاحتلال على وسائل الإعلام، لتفادي تسريب أنباء الخسائر المادية والمعنوية! كما أن الاقتصاد الإسرائيلي أصيب بشلل في أكثر من قطاع.

ويتجسد المتغير الثالث في فضح القوة العسكرية الصهيونية المزعومة، فقد أصيبت "القبة الحديدية" بالدوار، وهي تشاهد وابلاً من صواريخ المقاومة في اتجاه مواقع الاحتلال في فلسطين المحتلة في 1948، من دون قدرة كبيرة على اعتراضها! فجن جنونها، وعوضت عن هذا الفشل العسكري المخجل باستخدام القوة المفرطة للانتقام من الأطفال والنساء، ما عرض صورتها للاستهجان والاعتراض والتنديد من شرفاء العالم، بل إن محللاً إسرائيلياً كتب إن "مجرد اتخاذ قرار بتفعيل كامل قوة سلاح الجو ضد حركة حماس، منحها صورة نصر مهم من اللحظة الأولى، إذ إن صورة الدمار والخراب التي ستنكشف مع وقف إطلاق النار، سوف تسمح لحماس بقلب الأمور رأساً على عقب، لكي تتحصن في صورتها البطولية، وتعرض إسرائيل على أنها كيان عدواني معربد".

ورابع المتغيرات في هذه الحرب المفروضة كالعادة على الفلسطينيين، هو المساندة السخية لبعض الدول العربية للكيان الصهيوني، بدل أن تكون هذه المساندة للشعب العربي في غزة الصامدة. وقد تطوعت بعضها للمساهمة مادياً وإعلاميا للقضاء على تشكيلات المقاومة، وفي مقدمتها حماس، لا لشيء إلا لأنها قررت استئصال ما له علاقة بالإخوان المسلمين والإسلام السياسي المعتدل، والذي تمكن من النجاح في مختلف استحقاقات الدول العربية بعد الربيع الديمقراطي المغدور. أما النظام العسكري الانقلابي في مصر، فقد منح العدو الصهيوني ما لم يكن يخطر له على بال في سنوات مضت. "اقترح" مبادرة بائدة لوقف إطلاق النار تساوي بين الجلاد والضحية، وتحمّل حماس مسؤولية العدوان على غزة.

وفي هذا السياق، نجد في موقع nrg الإسرائيلي: إن قرار شن الحملة البرية، وتبرير مصر علناً خطوات إسرائيل، أخرج إلى النور حلفاً شجاعاً، تشكل، في الشهور الأخيرة، بين حكومة نتنياهو ونظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

هل هناك من عار أكبر من أن يتحالف نظام "أعظم" دولة عربية مع عدو الأمة العربية التاريخي الذي أقيم بهدف ضرب المشروع النهضوي العربي، وحلم العرب ومصر خصوصاً، في الوحدة والديمقراطية والتقدم. إلا أننا واثقون بأن الشعوب العربية حطمت جدار الخوف إلى الأبد، وهي قادرة على العودة مجدداً إلى محاكمة الطغاة، والدفاع عن القيم الإنسانية والدينية الداعية إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكي لا تبقى غزة وحدها تصنع تاريخ العروبة.

5EF2C82D-2DAA-46CF-AEDD-FEDDF96D8CAC
الصادق بنعلال

كاتب من المغرب