متحف الفن الحديث... منارة قطرية تدعم الإبداع

02 سبتمبر 2018
يقع المتحف في المنطقة التعليمية بالدوحة (العربي الجديد)
+ الخط -
في قلب المدينة التعليمية وسط الدوحة، يقع المتحف العربي للفن الحديث "متحف"، والذي افتتح رسميا في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2010، في مبنى مؤقت يعود لمدرسة قطرية، أعاد تصميمه المعماري الفرنسي، جان فرانسوا بودن، ليناسب المتحف الذي يقدم منظورا عربيا للفن الحديث والمعاصر ويدعم الإبداع ويعزز الحوار ويلهم الأفكار الجديدة.

يقول مدير المتحف العربي للفن الحديث، عبدالله كروم، في حديث لـ"العربي الجديد"، المتحف مبني على مجموعة الأعمال الفنية، ومستقبلا هناك مشروع لمبنى أكبر يعرض المجموعة الدائمة، حاليا نعرض 3% تقريبا أو نحو 250 لوحة، من أصل آلاف اللوحات، لكن الطموح عرض 500 لوحة متنوعة.
وتُعتبر المجموعة الفنية الدائمة أكبر مجموعة للفن الحديث والمعاصر في المنطقة، وقد جمع حسن بن محمد بن علي آل ثاني مجموعة أوّلية من هذه الأعمال.
تحوي المجموعة نحو 9 آلاف قطعة وعمل فني من العالم العربي وأقاليم أخرى مرتبطة تاريخيا بالجزيرة العربية، مثل إيران، وتركيا والهند، والتي جمعت على مدى أكثر من 25 عاماً.

ويمكن عبر مجموعة المتحف الدائمة قراءة العديد من المقاربات والآراء حول صناعة الفن، ويوضّح كروم، أن المجموعة تمثل "التيارات الأساسية ومراكز الإنتاج الفني في مجال اللوحات والمنحوتات والأعمال الفنية المشغولة على ورق والأعمال التركيبية وأعمال الفيديو، والتي يعود تاريخ بعضها إلى أواسط القرن 19 وحتى اليوم، وهي تستهدف الطلاب والباحثين والزوار".
وأضاف: نحاول رغم صغر المكان، تقديم سرد تاريخي لتطور الفن في العالم العربي، وتحقيق توازن في تمثيل مختلف جهاته، من شمال أفريقيا، والخليج العربي، إلى السودان، وتركيا وبلاد الشام، وأيضا يوجد فنانون من الهند وباكستان، أي العالم العربي والمناطق التي تواصلت معه تاريخيا وثقافيا.

ويلعب الفنانون وأعمالهم في المجموعة، كشهود على زمنهم، أدوارا فاعلة في تحديد الميول الفنية الجديدة والنماذج البديلة للمجتمع. ويجري استجواب التغييرات التي حدثت في المجتمعات والثقافات المحلية خلال فترة الانتقال إلى الحداثة والمعاصرة.
والمجموعة هي الأساس، والمشروع فريد من نوعه، فقطر أول دولة في العالم العربي، لديها طموح وأخذت على عاتقها توثيق الإنتاج الفني، هذه المجموعة الدائمة متطورة، وهي أهم المجموعات التي توثق تاريخ الفن الحديث والمعاصر في العالم العربي والمناطق الأخرى، وفقا لكروم.



وفي تطوير البحث فإن سياق إنتاج الأعمال الفنية مهم جدا، السياق المجتمعي والسياق التاريخي والسياق السياسي، فالفنان يعبّر عن أفكاره متأثرا بسياقه المجتمعي، وللفنان دور تربوي وفكري في المجتمع، ويعتبر الفنانون التشكيليون جزءا مهما من الحركات الثقافية، وعنصراً أساسياً في عملية التواصل.
وينظر إلى التسلسل الزمني لتاريخ الفن والخطابات الخاصة بالتوجهات الرئيسية والحركات بالتحاور مع المجموعات الثقافية للبلدان العربية والطلائع الدولية، كونه شُكل من سياقات اجتماعية وسياسية متنوعة وظروف الإنتاج، فإن المتحف والمجموعة يساهمان في طرح وجهات نظر أصيلة للجدل المحلي والعالمي حول الفن والمجتمع.

وحول دور البحوث في "متحف"، يقول مدير المتحف العربي، "إن للبحث في "متحف" مداخل مختلفة، وما نهتم به هو نشر مشروع نسميه "موسوعة الحداثة والعالم العربي"، وهو متاح باللغتين العربية والإنكليزية وبالمجان، والنصوص مدققة وموثقة من قبل أساتذة جامعيين، كما أن البحوث توصل المتحف بالجامعة، فالتواصل مستمر، بالتعاون مع أساتذة جامعيين وفنانين وحرفيين، هذا على مستوى البحث الجامعي والكتب التي تنشر".
أما الجانب الآخر وهو التربوي، فيقوم على تسهيل الوصول إلى الأعمال الفنية وجعلها في متناول المدارس القطرية، عبر مشروع "المتحف للمعلم"، إذ يحضر معلمون إلى "متحف" عدة مرات للاستفادة والاطلاع، وخصوصاً من كيفية قراءة اللوحات.

أربعة معارض في أكتوبر
ينظّم "متحف" برنامجين سنويا في الخريف والربيع، ويشير كروم إلى أنه سيفتتح في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، 4 معارض، الأول عنوانه "أجيال الثورة"، ويقترح قراءة تاريخية للخمسينيات والستينيات أي فترة ما بعد الاستقلال، تنظر إلى خلق لغات فنية وحركات ثقافية جديدة في المناطق العربية، والمرحلة الثانية خلال عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، والتي زخرت بأعمال سياسية كثيرة، جسّدت معاناة الشعب الفلسطيني، ومعاناة الشعوب التي رزحت تحت أنظمة ديكتاتورية أو ما يشبه ذلك، وفي هذه الحقبة كان الضغط السلطوي كبيرا، فنرى الفنان يعمل بالرموز، وهذا موجود في الشعر والسينما وغيرهما.

وفي المرحلة الثالثة، جيل "ثلاثة أصفار" الألفية، أي 10 سنوات قبل اندلاع الثورات العربية، في عدد من الأعمال الفنية عبرت عن أشياء يجب أن تتغير، مثلا الفنانة المصرية أمل قيناوي أنشأت مجسما كبيرا لأسطوانات غاز، تتكلم عن مجتمع تحت الضغط وعلى وشك الانفجار قبل سنوات من "الربيع العربي".



ويستضيف "متحف"، معرضاً للفنانة اللبنانية منيرة الصلح ، ويحمل عنوان "أؤمن بشدة بحقّنا في أن نكون طائشين"، ويضم 150 لوحة وأعمال تطريز أنجزتها الفنّانة بعد مقابلات شخصية جمعَتها مع لاجئين سوريين فرّوا إلى لبنان وأوروبا والولايات المتّحدة، موثّقةً شهاداتهم الفردية عن لحظات الرحيل عن الديار والوصول إلى المهجر والتخوّف من المجهول.

أما سلسة "ركّز" التي تشتمل على أعمال مختارة من مجموعة "متحف" الفنية، فتشمل معرضين، الأول بعنوان "جاسم زيني: تصوير وتجريد"، وهو الفنان القطري (1942 – 2012)، الذي وثق تطور الدولة وعبّر عنه سواء على الصعيد الشخصي من خلال علاقته بوالدته، أو الفني عبر علاقته بالمجتمع وتغيير نمط العيش، ويعتبر زيني جزءا مهما من الحركة الفنية في قطر، وهو من المؤسسين، فقبل أن تكون المتاحف كان الفنان، وكانت اللوحة أو العمل الفني، وبعدها المؤسسة.

أما المعرض الثاني فيحمل عنوان "فاتح المدرّس: اللون والامتدادية والحس"، ويركّز على موضوعات بعينها بنظرة استعادية تستكشف أعمال الفنان السوري الراحل (1922 – 1999)، ضمن سياق ارتباطه بالسريالية والصوفية.
المساهمون