مبادرة توحيد الأجهزة الأمنية الليبية: فرص النجاح رهينة حفتر

30 ديسمبر 2018
يزداد الوضع الأمني انفلاتاً في ليبيا (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال مصير محادثات توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، برعاية مصرية ودعم أممي، غامضاً وسط أنباء عن تعثرها بعد اصطدامها برفض اللواء المتقاعد خليفة حفتر المضي فيها. في المقابل، برز تطور مفاجئ يتعلق بمحاولة توحيد الأجهزة الأمنية بين حكومة الوفاق وحكومة مجلس النواب، بعدما عقد مدير أمن طرابلس، العميد سالم قريميدة، ومدير أمن بنغازي، العميد عادل العرفي، اجتماعاً أول من أمس الجمعة في بنغازي، خصص لمناقشة توحيد الأجهزة وتوصلا خلاله  إلى مسودة اتفاق حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها.

وتثير الخطوة تساؤلات عدة بشأن توقيتها السياسي والعسكري، والأهداف منها، والأطراف الداعمة لها. وبينما تشير المعطيات الأولية المتوفرة إلى إمكانية ذهاب شخصيات حكومية وسياسية مثل وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، ووزير الداخلية في حكومة مجلس النواب إبراهيم بوشناف، إلى الدفع بمبادرة ليبية بعيداً عن تعقيدات التدخلات الخارجية بما فيها الأممية، لا سيما أن البعثة الأممية لم تعلن عن رعايتها للاجتماع حتى يوم أمس، يسود اعتقاد بأن فرص نجاح هذه المبادرة مرهون بموقف حفتر منها، وسط مخاوف من تكراره سيناريو تعطيل جهود توحيد المؤسسة العسكرية.


الإعلان عن الاجتماع المفاجئ في بنغازي أتى من طرف وزارة داخلية حكومة مجلس النواب، واستضافته في فندق تيبستي وسط المدينة، الخاضعة لحفتر. وأشارت تصريحات المتحدث باسم الوزارة، طارق الخراز، إلى أن اللقاء جاء بناء على مبادرة من بوشناف، مشيراً إلى وجود اتفاق بين الوزارتين لتوحيد الأجهزة الأمنية. كما عمدت إدارة الإعلام بوزارة الداخلية في الشرق إلى نشر صور أظهرت مدير مديرية أمن طرابلس يجلس إلى طاولة واحدة بجانب مدير مديرية أمن بنغازي، بحضور عدد من الضباط الذين يمثلون إدارات كل من المديريتين.

في المقابل لم تصدر حكومة الوفاق أي موقف رسمي تجاه هذا التطور. وانسحب الأمر نفسه على وزير الداخلية فيها، إلا أن حضور مدير مديرية أمن طرابلس اللقاء لم يكن ممكناً إلا بتوفر غطاء سياسي وأمني له. ولذلك يربط بعضهم بين تريث حكومة الوفاق في إصدار موقف رسمي وبين الرغبة في انتظار نتائج المشاورات التي ستعقد في الشرق بشأن مسودة الاتفاق التي تم الإعلان عن التوصل إليها، وتحديداً معرفة موقف حفتر النهائي منها، نظراً لوجود مخاوف من تعطلها على غرار ما حدث بمشاورات توحيد المؤسسة العسكرية.

وحصلت "العربي الجديد" على بنود مسودة الاتفاق، فيما أكد مصدر أمني لـ"العربي الجديد" أنها ستعرض على الوزيرين قبل توقيعهما والمصادقة عليها بشكل رسمي. وفي حال تبني المسودة، فإن ذلك يمهد لإنهاء واحدة من أبرز أزمات مؤسسات الدولة، المتعلقة بالشأن الأمني.

وتعكس البنود جدية الطرفين لمناقشة أهم العراقيل والمشاكل التي ترتبت على الانقسام الأمني، خصوصاً بعد أن تضمنت بنداً ينص على إبعاد المؤسسة الأمنية عن التجاذبات السياسية وإعادة توحيدها في إطار اعادة الأمن واستتبابه.

وبموجب المسودة، فإنه سيتم العمل على ربط المنظومات الأمنية بين الوزارتين، والتي تشمل منظومة الجنايات والجوازات وشؤون الضباط، ومراجعة القوانين الصادرة من الحكومتين عقب الانقسام الحكومي لمعالجة آثارها، وتشكيل فرق لتوحيد فرق النجدة وفرق الملاحقة والضبط بل حتى المركبات والسيارات، وتوحيد الخطاب الإعلامي. كما شملت المسودة بنداً يتعلق بتشكيل لجان مشتركة لرسم استراتيجيات كبرى للأمن في ليبيا على أن تضطلع إحدى تلك اللجان بإعداد هيكلة جديدة لوزارة الداخلية تمهيداً لتوحيد السلطة التنفيذية لتكون الأجهزة الأمنية حجر الأساس لتوحيد مؤسسات الدولة.

وبناء على ما تتضمنه المسودة، يمكن القول إن داخلية مجلس النواب قدمت عدداً من التنازلات، ولا سيما من خلال قبولها بأن يترأس مدير مديرية أمن طرابلس لجنة متابعة جهود توحيد الأجهزة الأمنية. كما يعكس الاجتماع الأمني، وما خلص إليه تنازلاً من حفتر، المعروف أن بوشناف مقرب منه، عن قراراته السابقة التي أكد فيها منع أي جهاز خاضع لسلطته من التعامل مع مسؤولي حكومة الوفاق، بل سبق أن توعد بملاحقة كل من يتعامل مع حكومة الوفاق. ويضاف إلى ذلك أن حضور قريميدة، الذي يمثل حكومة الوفاق، الخصم الظاهر لحفتر، إلى بنغازي مؤشر إلى وجود تطمينات وربما ضمانات لأمنه الشخصي ومرافقيه من ضباط الشرطة، وقبوله بالمبادرة يشير إلى تنازل من قبله.

ويبدو أن الأوضاع الأمنية في طرابلس وبنغازي ساهمت في تسريع التقارب. وتأتي زيارة وفد وزارة داخلية الوفاق إلى بنغازي، بعد أيام من إعلان وزير الداخلية فتحي باشاغا، الثلاثاء الماضي، فشل وزارته في تنفيذ وفرض خطة الترتيبات الأمنية في طرابلس بسبب استمرار تنفّذ سلطة المليشيات في العاصمة، ما يشير إلى أن وجود قرار لدى الوزارتين في طرابلس وبنغازي بالعمل على تقوية الأجهزة الأمنية. ويريد الطرفان على ما يبدو محاولة الالتفاف على قبضة المليشيات في طرابلس، وحتى في الشرق، بعد انفلات أمني تعانيه بنغازي بسبب خروج مجموعات مسلحة عن السيطرة. واضطر هذا الوضع وزارة الداخلية في الشرق إلى أن تعلن الأسبوع الماضي حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر. وربطت بين تنفيذ الخطة وبين وجود "عدة حالات من جرائم السطو والقتل سجلت خلال المدة الماضية في بنغازي، وهناك جهات لم تحدد بعد تبث الرعب في قلوب الناس باختلاق جرائم لم تحدث وتضخيم الوقائع".

ورغم الأجواء الإيجابية التي تسود إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن جهود توحيد المؤسسة الأمنية لن تكون بمنأى عن تداعيات تعثر مساعي توحيد المؤسسة العسكرية. كما أن نجاح المؤسسات الأمنية في توحيد منظومات العمل ومعاودة النظر في القوانين وتسيير فرق مشتركة لملاحقة أصحاب الجنايات وغيرها، لن يتيح لها العمل إلا على الهامش، على اعتبار أن السلطة الحقيقية على الأرض لا تزال للمليشيات المنتشرة بالمئات في المدينتين وخارجها، لا سيما بعد فشل جهود وزارة داخلية حكومة الوفاق في إدماج تلك المليشيات في أجهزتها الأمنية والشرطية، وقدرة المليشيات على الالتفاف على قراراتها.