ما يعنيني في كرة القدم

20 فبراير 2015
يتحمس، فأتحمس (Getty)
+ الخط -
أشاهد مباراة كرة قدم من الملعب لأول مرة، ولا أفهم منها شيئاً. لم تتسنّ لي فرصة معرفة أسماء الفريقين الخصمين، ولم أهتمّ. نسيت نظارتي الطبية في السيارة أيضاً، فلا أميّز بين اللاعبين، وبالكاد أرى الكرة، ولا أهتم أيضاً. مباريات كرة القدم لم تعنِ لي يوماً، وأعرف أنها لن تعني شيئاً في المستقبل. لا يعنيني سوى الشخص الذي يجلس إلى جانبي.

شاهدت كرة القدم أول مرة في مونديال 1998. كنت في الخامسة، ولم يبلغ أخي الأول سوى أشهر قليلة من عمره. تحلّقت العائلة حول التلفاز، وجلست أنا بجانب أخي. عشنا تجربتنا الأولى سوياً. كنت أتحمس، فيتحمس. أفرح، فيفرح. أحزن، فيحزن أيضاً. عشنا تجربة لم نفهم منها شيئاً كلينا، ولا يتذكر منها أخي شيئاً. وكلّ ذلك لم يمنعها من أن تتحول إلى ذكرى. ذكرى أستحضرها دائماً، ولا يستطيع أخي نكرانها.

علاقتي مع كرة القدم لم تتغير. أجلس إلى جانب رفيقي، ولا أفهم من اللعبة شيئاً أيضاً. يتحمس، فأتحمس. يربح، فأربح. يخسر، فأخسر. تجربة أخرى لا أفهمها، ولا يبقى لي منها سوى ذكرى عن المرّات التي ابتسم فيها رفيقي فابتسمت، أو ربح فربحت.

أنام في المقعد الخلفي عند العودة. أرى الأماكن التي رأيتها مرات كثيرة من قبل، ولكن هذه المرة بزاوية مختلفة. تصوروا أنّ بعضنا يموت من دون أن يرى دنياه هذه من الأعلى. مغرورون نحن حين نقول إنّنا نضيف شيئاً على هذه الدنيا. لم نضف شيئاً على الدنيا العليا هذه، والمشهد لا يبدو لي ناقصاً أبداً.

أراقب الأعلى، وأستمع إلى "روحي يا نسمة" لجورج وسّوف. أراقب النسمة التي يرسلها الوسوف عند "الحبايب"، وأرسل نسمتي أنا أيضاً. تدور، وتدور. لا أعرف إلی أين تصل تحديداً، ولكنها في نهاية دورانها ستعود إلى هنا. ذاك أنّ الحبّ يعود دائماً إلى المكان الذي بدأ منه، لذلك نعود دائماً إلى أهلنا. نعود إلى بدايات الحب.

نمر في النفق، فلا تملك نسمتي إلاّ أن تعود إلى السيارة. يبتسم رفيقي، فأبتسم، فتكون الذكرى. تماماً كما حصل مع أخي في مونديال 1998، وكما حصل مع رفيقي في الملعب منذ قليل.
دلالات
المساهمون