ما وراء القفطان والجلابيب

26 مارس 2015
+ الخط -

ليس من السهل أبداً أن تجد في السوق القديم في مدينة مرّاكش، ما يعجبك من اللباس التراثي التقليدي للمرأة المغربية، البضاعة المعروضة تجارية، أقمشتها رديئة، وتصاميمها مكررة. وليس من السهل أيضاً أن تعثر على دور أزياء وسط مدينة تنشطر إلى نصفين، سوق داخل سور المدينة القديمة يحتفل بالتراث، وسوق خارجه يعج بالعلامات التجارية الحديثة. كان من حظي أن ألتقي بـ (لالا وفاء) في يومي الأخير في مرّاكش، لتتجول معي في دور أزياء تراثية حقيقية.

جاءت وهي تتبختر بلون المحيط لجلابتها المشغولة يدوياً، المطرزة بالنقوشات الأندلسية البيضاء والزهرية، على رأسها حجاب من الحرير، كما جرت العادة للنساء المغربيات اللواتي توارثن هذا اللباس من الأندلس، بعد هجرتهن للمدن المغربية. سألتني أولاً إن كنت أبحث عن (جلابّة أو قفطان أو تكشيطة)، وراحت تفسر لي الفروقات، "الجلابة جلبابنا الملون التقليدي الذي نرتديه يومياً، واسع ذو قبعة أندلسية من الخلف تتدلى منها خيوط رفيعة، بينما القفطان يتكون من قطعتي قماش، نشدهما بالمنتصف بحزام عريض مطرز بخيوط فضية أو ذهبية. نرتديه في أيامنا العادية بأقمشة بسيطة، أو نتخير له من الأقمشة الفخمة كالحرير والتفتة للمناسبات. والتكشيطة تأتي في مقدمة أزياءنا، تتألف من ثلاث قطع، نتخيرها بعناية وحزام كما القفطان، وتُرصع بالكريستال واللؤلؤ، وللأميرات تُرصع بالألماس، وعادة تكون التكاشيط للأعراس والاحتفالات الكبيرة.

في كل دار أزياء ندخلها، تقلب القفاطين، تتحسس الأقمشة، تتأكد من جودة التطريز، تتبع دقة الخياطة، ذكرتني برزانة جداتنا، تمهلهن وهن يتخيرين كل شيء، يشترين قطعاً فنية نادرة لا استهلاكية، على غير عاداتنا التسوقية.

قالت لي اللالا وفاء، بعد اختيار جلابة بيضاء ناعمة لي: هذه جلابة خاصة لطقوس حفل الولادة، ترتديها الوالدة عندنا في اليوم الثالث بعد الإنجاب، ليوم تقميط الرضيع، فلا نشد عظامه الطرية بمهاد إلا بعد مرور يومين من ولادته، ونحتفل عند الوالدة بذلك الطقس الاجتماعي، نجتمع في بيت نفاسها، نحضر طبق ( الرْفيسة وهو رغيف بالدجاج يتسوى بالدار) نقدمه مع الفواكة المجففة، ونضع الحناء للنفساء لندخل السرور على قلبها بعد رحلة الخلق والولادة، الحناء في يد المرأة فأل فرح". ومن عجينة الحناء ذاتها نضع نقطة واحدة في يد الرضيع لمباركة وجوده.

أما في اليوم السابع من النفاس، يوم تسمية الطفل الجديد كما في السنة النبوية، يكون الصباح لطقوس الذبيحة، بحضور الأهل والجيران، يسمى الطفل الجديد وتجتمع النسوة لإعداد عشاء المساء والحلويات الخاصة بهذا الطقس، حيث نعد "سلو، كعب الغزال، قفاس". وتقدم هدايا للوالدة.

عندما سألتها عن طقوس الأعراس لديهم، قالت لي: "أعراسنا تمتد لأربعة أيام، تبدأ عادة يوم الخميس المخصص لطقوس الحمام لليلة الحناء، حيث نحتفل بحمام النساء في المدينة، تذهب العروس وأخواتها وأمها وجدتها وصديقاتها وأقرباؤها، يتحلقن حولها، يغنين ويرقصن لحين الانتهاء من تفريك جسدها بالصابون المغربي، والتطيب بالعطور الخاصة التي نجلبها لها. في الليل نقيم حفل الحناء في البيت لتخضيب كفيها وسط تصفيق وغناء تغمرها به نساء الحي، استعدادا ليوم الزفاف الكبير. في اليوم الثاني يتم عقد القران وإحياء ليلة الزفاف، تحتفي العروس في ليلتها بثوب زفاف تراثي حيث ترتدي التكشيطة المغربية بلون أبيض مزين بالتطريز الفضي أو الذهبي أو كليهما، تضع على رأسها تاج العروس، وتٰحمل في زفتها على قطعة خشبية ذات قواعد رفيعة أربع منقوشة ومزينة، كملكة. أما في ثالث يوم فتكون صبيحة العرسان، يزورونهما للمباركة وتقديم الهدايا. اليوم الأخير يكون لعرس الرجال في المساء.

كنت أظن أنني سأكون في لقاء تسوّق سريع، لشراء قفاطين وجلابات مع اللالاّ وفاء معلمة اللغة الفرنسية في المدرسة، و لم أدرِ أنني سأحظى بتلك التفاصيل الصغيرة كفسيفساء بيوتهم القديمة، التي تكشف ملامح المدينة.

فهل السفر يقتصرعلى ارتياد المعالم السياحية والتاريخية ؟!


(الكويت)

المساهمون